الكتب بين الاختيار الموضوعي وضربة الحظ

03:24 صباحا
قراءة 6 دقائق
** القاهرة: «الخليج»

يعمل كثيرون على إعداد قوائم بأفضل الكتب، من وجهة نظرهم، رغم كراهية الدرس الأدبي لأفعل التفضيل، لعدم موضوعيتها، قد يكون هؤلاء أفراداً أو مؤسسات، وفي النهاية فإن الأمر يخضع لذائقة فردية، سواء كانت تخص شخصاً بعينه، أو لجاناً مكونة من أفراد، لهم علاقة بالقراءة، وفي حالات كثيرة هناك غرض خفي، وراء إقصاء كتاب ما من القائمة، واحتوائها على غيره، هذا بخلاف «قوائم الأكثر مبيعاً» التي يكون غرضها الرئيسي الترويج، ومن ثم الكسب المادي، وغالباً ما تقف وراءها دور نشر.
يلجأ الناشر العربي إلى حسابات تتعلق بالربح والخسارة، فهو غير معني بتقديم المعلومة الصحيحة، ولا يهمه أن يعرف القراء أكثر الكتب مبيعاً، بل يهمه أن يبيع الراكد في مخازنه، على عكس التجارب المعمول بها في الغرب، فهي تقدم بيانات دقيقة عن حركة البيع، بهدف متابعة حقوق المؤلف، ويمكن توظيف هذه البيانات في إعداد قوائم الأفضل مبيعاً، حتى لو قام الصحفي بإعداد قائمة خاصة بأفضل الكتب، فإنه لا يتردد في الإشارة إلى المعايير، التي اعتمد عليها.
أشهر قوائم الكتب في العالم العربي «أفضل 100 رواية عربية» التي نشرها اتحاد الكتاب العرب في 14 يناير/كانون الثاني سنة 2000 وراعت التنوع الأدبي والزمني والجغرافي، وفي الواقع فإن القائمة تضم 105 كتب يحتل المركز الأول فيها: نجيب محفوظ في الثلاثية، يليه جبرا إبراهيم جبرا في «البحث عن وليد مسعود» وصنع الله إبراهيم في «شرف»، وغسان كنفاني في «رجال في الشمس»، وإميل حبيبي في «الوقائع الغريبة لاختفاء سعيد أبي النحس المتشائل»، ويوسف القعيد في «الحرب في بر مصر».
تلك القائمة طالتها انتقادات كثيرة، منها أنها - من أجل مراعاة البعد الإقليمي- ضمت أسماء مجهولة، لكُتّاب ضعاف الموهبة، كما أن عمل لجنة الاختيار، لم يخلُ من شبهة مجاملة لأسماء وأقطار معينة، والمثير للدهشة أن لطيفة الزيات في روايتها «الباب المفتوح» وعبدالرحمن منيف في خماسية «مدن الملح» قد احتلا ذيل القائمة، خارج حسابات المئة رواية.

تزوير

الناقد السعودي «محمد العباس» أشار إلى كاتب سعودي، استطاع إدخال روايته ضمن هذه القائمة؟ فزاد عدد الروائيين السعوديين إلى اثنين، إضافة إلى ثلاثة سابقين، ضمتهم قائمة اتحاد الكتاب العرب، «العباس» كتب: «مرة أخرى، يتجرأ روائي آخر من السعودية، ليدس روايته في قائمة أفضل 100 رواية عربية» وأضاف: «في القائمة الرسمية لاتحاد الكتاب رواية لغازي القصيبي، وأخرى لعبدالعزيز مشري، وثالثة لعبدالرحمن منيف، وهناك من زور القائمة وأدخل اسمه».
تغريدة «العباس» تحولت إلى حوار طويل، أثار عدداً من الأسئلة منها: أين القائمة الأصلية التي يمكن الاعتماد عليها في إقرار هذه الأسماء؟ ما المعايير التي تم الاعتماد عليها في اختيار هذه الروايات وأفضلية أصحابها؟ لماذا تم تغييب عديد من الأعمال الروائية السعودية والأسماء الروائية المهمة في المشهد الأدبي السعودي؟

امرأة واحدة فقط

إذا نظرنا إلى طريقة اختيار الغرب لتلك القوائم، فإننا نتوقف أمام العديد من الدوريات والمجلات، خاصة التي تُعنى بالكتب، وفيها ما يمكن أن يوضع تحت عنوان «أفضل الكتب» وفي هذا الصدد فإن المكتبات الكبرى تعد قوائمها أيضاً كل عام، وتقوم المجلة أو المكتبة باللجوء إلى استطلاعات الرأي، التي أصبحت عاملاً مؤثراً يوجه الاختيارات، وكانت دار «مودرن لايبراري» قد نشرت قائمة، تتضمن أفضل الروايات التي كتبت باللغة الإنجليزية في القرن العشرين، ومن الانتقادات التي طالتها، أنها لم تتضمن ما يكفي من الروايات النسائية، وأنه كانت هناك امرأة واحدة فقط في مجلس التحرير، الذي تم اختياره، على الرغم من وجود عشرة كتب من تأليف نساء في القائمة، ومن الانتقادات التي طالت القائمة أيضاً أنها ركزت على كتاب أمريكا الشمالية وأوروبا.
وفي عام 1999 قامت صحيفة لوموند الفرنسية باختيار أفضل 100 كتاب خلال القرن العشرين، بدأت بقائمة أولية مكونة من 200 كتاب تمت تصفيتها إلى مئة كتاب فقط، وصوت نحو 17 ألف فرنسي على اختيار هذه الكتب، وتضم القائمة كتباً مثل: الغريب لألبير كامو، والبحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست، والمحاكمة لكافكا، وسفر إلى آخر الليل لفرديناند سيلين، ولمن تقرع الأجراس؟ لهيمنجواي، وأطفال منتصف الليل لسلمان رشدي وغيرهم.
هناك «أفضل 100 كتاب في جميع الأزمنة» أعدت عام 2002 عبر تكليف 100 كاتب من 54 بلداً في العالم، كي يختار كل منهم عشرة كتب، يراها الأفضل في تاريخ الأدب العالمي، وفي هذا الإطار سألت صحيفة روسية عدة كُتّاب أن يضعوا قائمة بالكتب الأكثر تأثيرا فيهم، ووضع تولستوي قائمة بما يفوق الخمسين كتاباً، مقسمة إلى مراحل عمرية.
من عمر الصبا حتى الرابعة عشرة رشح تولستوي كتباً منها: «قصة النبي يوسف - قصص من ألف ليلة وليلة - قصائد بوشكين»، ومن عمر الرابعة عشرة حتى العشرين: «اعترافات روسو، والمعطف لجوجل، وديفيد كوبرفيلد لتشارلز ديكنز، بطل من زماننا لليرمنتوف» من العشرين حتى الخامسة والثلاثين: «أحدب نوتردام لفيكتور هوجو، والإلياذة والأوديسة لهوميروس، وحوارات أفلاطون» من الخامسة والثلاثين حتى الخمسين: «البؤساء لفيكتور هوجو، روايات جورج إليوت، من الخمسين حتى الثالثة والستين: لأناجيل كاملة، جوهر المسيحية لفيور باخ».

مكتبة بورخيس

عندما زار أحد الكتاب الشباب هيمنجواي، سأله بعض النصائح حول الكتابة، وفي ثاني لقاء بينهما كتب هيمنجواي قائمة بقصتين قصيرتين و14 كتاباً، ثم ناوله نسخة من روايته وداعاً للسلاح، وبعد أن أودع فيتزجيرالد (صاحب رواية جاتسبي العظيم) زوجته في مصحة عقلية، وانتقل إلى فندق مجاور، حاول الانتحار بمسدس، فرفضت إدارة الفندق إبقاءه، إلا بشرط أن ترافقه ممرضة، لمنعه من الانتحار، وأثناء هذه الفترة قام بإملاء قائمة من الكتب على الممرضة، ومنها: منزل الدمية لهنريك إبسن، قصص أنطون تشيخوف، مسرحيات أوسكار وايلد، الملجأ لوليم فولكنر وثلاثة أعمال لمارسيل بروست.
أما جابرييل جارسيا ماركيز فقد كتب في سيرته «عشت لأروي» عن الكتب التي رافقته منذ أن تعلم القراءة، وجاءت في قائمة تضم 25 كتاباً، منها: ألف ليلة وليلة، الجبل السحري لتوماس مان، الرجل ذو القناع الحديدي لألكسندر دوما، عوليس لجيمس جويس، الصخب والعنف لوليم فولكنر، موبي ديك لهرمان ميلفيل، قصص إرنست هيمنجواي.
وفي عام 1985 طلب أحد الناشرين من بورخيس تأسيس مكتبة شخصية، تحتوي على 100 عمل أدبي عظيم، مع كتابة تقديم لكل عمل، وصل بورخيس إلى خمسة وسبعين عملاً فقط، قبل وفاته بسرطان الكبد عام 1988 اختيارات بورخيس تبتعد عن شخصيات وأعمال يتكرر ذكرها، حيث كان مهتماً بالروايات البوليسية والألغاز والفلسفة، وعندما اختار أعمالاً لمؤلفين معروفين لم يعمد للكتب المشهورة عنهم.

مرجعية أساسية

ظلت الدوريات المختلفة في فرنسا، تنشر أفضل الكتب على مدار السنة في جميع أعدادها، وتبعاً لإيقاع صدورها، وتصنيفها في فئتين، الأولى: الأعمال الإبداعية، والثانية: كتب الدراسات، وقائمة أفضل الكتب تكون نوعاً من المحصلة والصدى، ذلك أن نجاح هذا الكتاب أو ذاك، يعني أنه يترك أثراً لدى القراء، كما تدل أرقام مبيعاته، ما يمثل معياراً، تضعه لجان اختيار الأفضل، في اعتبارها، هذا إلى جانب معيار آخر يتعلق بالأعمال التي تفوز بالجوائز الكبرى.
تبنت مجلة «لير» في شهر ديسمبر/كانون الأول سنوياً، منذ عام 1997، قائمة بأفضل الكتب الفرنسية أو الأجنبية الصادرة في فرنسا، وتجري عملية الاختيار على مراحل، في المرحلة الأولى يتم اختيار 20 كتاباً فرنسياً أو أجنبياً، صدر خلال العام - مع استثناء الأعمال المطبوعة سابقاً في مجالات الرواية الفرنسية والأجنبية والدراسات، وحتى كتب الرسوم المتحركة، وفي المرحلة الثانية، يجرى اختيار «أفضل كتاب» من بين العشرين كتاباً.
تعد المجلة مرجعية أساسية، تعتمد عليها أغلب الدوريات الأخرى، حيث تجتمع هيئة تحريرها في شهر ديسمبر من كل عام، لاختيار أفضل كتاب، وتشترط ألا يكون المؤلف من العاملين في هيئة تحريرها، أو من المتعاونين معها، وفي كل الحالات، يبقى الموضوع الأساسي بالنسبة لجميع الدوريات، ولجان اختيار أفضل الكتب، اختيار تلك التي تصنف في عداد قائمة «الأفضل» ويجري تقييمها من زوايا مختلفة، تبعاً لهذه المطبوعة أو تلك، وكذا لمجال اهتمامها، أو للجمهور الذي تتوجه إليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"