عبد الغني العطري شاهد على قرن من الأدب والصحافة

10 سنوات على رحيل شيخ الصحفيين السوريين
12:35 مساء
قراءة 4 دقائق

عشر سنوات طوى الدهر من الزمن مذ رحل شيخ الصحفيين السوريين، عبد الغني العطري، الموصوف بما لم يوصف به سواه من حملة القلم وعُمّال الفكر، وذلك طوال ما يقرب من القرن .

لمن لا يعرف عبد الغني العطري من أبناء الجيل الجديد، يكفي أن نذكر أن أول قصيدة نشرها الشاعر الكبير نزار قباني كانت في مجلة الدنيا التي أسسها العطري في ذاك الزمن المفعم بالأدب والرسم بالكلمات، ويكفي أن يعرف أن مجلته كانت منبراً لمختلف أدباء وشعراء وصحفيي سوريا ولبنان طوال 18 عاماً في أواسط القرن الماضي .

ولد عبد الغني العطري في دمشق في العام 1919 وكان أبوه تاجراً معروفاً في الشام، وكانت أمه سليلة عائلة متدينة خرج منها علماء في الفقه الإسلامي اشتهروا في بلاد الشام تلك الحقبة .

درس العطري في الكلية العلمية بدمشق، وهي المدرسة نفسها التي درس فيها نزار قباني وعمر أبو ريشة ومشاهير آخرون عرفوا في الوسط الثقافي السوري .

ومنذ سنيّه الدراسية الأولى، ظهر لدى العطري نبوغ أدبي وصحفي أدهش مدرّسيه، فأصدر صحيفة مدرسية تناول فيها أخبار البلد بأسلوب بسيط ومعبر، وجعل لها أبواباً مختلفة تتوزع ما بين الاجتماعي والاقتصادي، والأدبي، الذي كان شغله الشاغل منذ يفاعته .

ويكفي أن نعرف أن أستاذه في اللغة العربية في المدرسة كان الشاعر العربي الكبير خليل مردم بك، لندرك أن البلاغة اللغوية والجرأة النطقية لديه ستكونان أمراً بديهياً، مثلما كان الأمر لدى نزار قباني الذي شهد بمردم بك خير شهادة في سيرته الذاتية .

في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1941 أسس العطري مجلة الصباح، واستكتب فيها، وعلى وجه السرعة، مختلف رجالات الفكر والأدب السوريين، من بدوي الجبل إلى عبد السلام العجيلي إلى أستاذه خليل مردم بك إلى نزار قباني إلى محمد البزم إلى خليل هنداوي ومحمود تيمور وآخرين .

ممول الصباح كان وقّع مع العطري عقداً لمدة سنتين، لم يجدد له لفترة أخرى، فخسر العطري الاستمرارية فيها . وعن ذلك قال قبيل رحيله في حوار صحفي، إن عملاء السوء ثرثروا لمالك المجلة لئلا يجدد فاستجاب لهم .

وفي 17 مارس/آذار 1945 أسس العطري مجلة الدنيا التي تمكن من خلالها من أن يجعل كل البيوت تنتظرها وبمختلف النطاقات والاهتمامات، حيث لم يوجهها في اتجاه واحد، بل ابتكر لها أبواباً جديدة على أبناء تلك الحقبة مثل: عيادة القراء وأبواب التعارف وغيرها من أبواب جعلت الناس، على اختلافهم، يرون بالدنيا مجلةً منتظرة كل أسبوع ليقرأوا فيها السياسة والاقتصاد والأدب والشعر والنثر والمجتمع والأبراج والتعارف بين الناس . . . إلخ .

وفّرت مجلة الدنيا للعطري فرصاً للقاء مع كبار ساسة البلد، وكان من المقربين جداً من الرئيس شكري القوتلي، ورئيس الحكومة فارس الخوري، ورئيس مجلس النواب خالد العظم في مرحلة الاستقلال، ما أدى إلى دعم المجلة من الجهات الحكومية برغم النقد الذي كانت تحفل به المجلة . واستمر صدور مجلة الدنيا لمدة 18عاماً وبشكل متواصل، إلى كان الثامن من مارس 1963 حين وصل حزب البعث إلى السلطة فأصدر البلاغ رقم 8 الذي قرر فيه وقف جميع وسائل الإعلام الخاصة عن العمل .

شعر العطري بفراغ كبير في حياته بتوقف مجلته، فكان أن سافر إلى السعودية ليعمل مستشاراً إعلامياً للملك فيصل، وسعى جاهداً طوال المراحل التالية إلى أن يعيد طباعة مجلته الدنيا، لكن دون جدوى .

ترأس في الرياض تحرير مجلة الإذاعة ثم عاد إلى سوريا فشغل منصب رئيس قسم الصحافة في السفارة السعودية بدمشق لمدة 17عاماً، لينتقل بعدها إلى مرحلة التأليف والكتابة وحسب .

ما بقي نجم عربي زار سوريا إلا وقابله العطري، من أم كلثوم إلى عبد الحليم حافظ إلى محمد عبد الوهاب ونجاة الصغيرة وفريد الأطرش، وكذلك فيروز والرحابنة ونصري شمس الدين وغيرهم في لبنان .

ولعل من أكثر المواقف التي تحز في النفس، كانت أنه عندما صدر قانون في العام 2001 يسمح بصدور الصحف الخاصة بعد توقف لمدة 40 عاماً، سارع العطري إلى إعادة إصدار مجلته الدنيا التي بدا أنها لم تغب عن مخيلته يوماً واحداً . وبدأ الرجل بإعداد العدة للانطلاقة برغم تجاوزه الثمانين، وقتها، وحجز لها المكتب في دمشق وبدأ يلملم أوراقها المطلوبة في الإدارات، ولما بات قريباً من إطلاقها في العام 2003 وافته المنية إثر حادث سير .

وضع العطري عشرات المؤلفات عن شخصيات دمشقية وسورية في مجالات الأدب والفكر والطب والفن والرسم والموسيقا والإبداع والابتكار . ولعل سلسلته الشهيرة عن العبقريات كانت الأبرز إذ وضعها على أجزاء عدة .

ولشدة ولعه بالضحك والمزاح وحب النكات، وضع العطري كتابي أدبنا الضاحك ودفاعاً عن الضحك .

أواخر حياته كان يكتب مقالين أسبوعياً، الأول لصحيفة تشرين اليومية، والآخر لمجلة فنون .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"