مأزق التلقين

03:20 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

منذ مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ظلت المناهج التعليمية في مدارس العالم العربي تركز على كتب النصوص للحفظ أو الشرح أو الاثنين معاً، من دون أن تكون هنالك مساحة للطلاب في تذوق القصيدة الشعرية أو النص الأدبي بعيداً عن سطوة الامتحان، أو حصة «التسميع»، ويدخل في ذلك الأمر أن الكثير من الأساتذة والتربويين هم أنفسهم لم يكونوا على إحاطة كبيرة بالأدب ومفهومة كمادة إبداعية لا تخضع لشروط العقلية السائدة في التدريس، ويبدو أن جميع مناهج تعليم الأدب العربي في المدارس العربية متقاربة من حيث طرائقها وأدواتها في التدريس.
بالتالي، فهنالك عدد من المصاعب تظهر في عملية تعليم الأدب، ولعل من أبرزها المنهج الذي يعتمد على التلقين، وهو أمر لايزال سائداً في معظم الدول العربية، ونوعية أساتذة التدريس الذين هم في معظمهم متخصصون في النحو وعلم الإعراب، وهو أمر لا يحيط بتدريس الأدب ولا يعين عليه، فهو بحاجة إلى تخصص منفرد، كما أن المنهج نفسه ظل محافظاً لم يستوعب التطور الكبير الذي حدث في الأجناس الأدبية، فمعظم الشعر الذي يدرس للطلاب ينحصر في القصائد العمودية ومعظمه من الشعر القديم في أغراضه المتعددة من مدح ورثاء وحكمة، أو شعر مراحل تاريخية وسياسية واجتماعية معينة، ولا يتعرف الطلاب إلى شعر التفعيلة والنثر في معظم الأحوال إلا في مراحل متقدمة من التعليم في الجامعة.
وإذ التفتنا إلى الغرب لنتعرف إلى طرق تدريس وتعليم الأدب سنكتشف أن العديد من النظريات قد تبلورت في هذا الشأن، بعكس ما هو سائد في العالم العربي، إذ لم تتوفر نظريات ترفد مناهج التعليم، فظلت مغلقة تماماً أمام أية أساليب جديدة، فتدريس الأدب في العالم الغربي في المراحل المتوسطة والثانوية يعتمد على كيفية القراءة ومسألة التحليل النقدي، وفي بعض الحالات فإن الطلبة تسند إليهم مهمة اختيار عدد من النصوص الإبداعية من أجل دراستها والتأمل فيها والخروج منها بالمعنى والأفكار، وتقديم رؤية لها تعتمد على النقد والتحليل، فالتلميذ مطالب بمقالة نقدية في وقت مبكر من مراحل تعليمه، ومن هنا يتعرف الطالب إلى معنى الأدب، حيث يتم الاعتماد على عملية عقلية تحفز وعي الطالب الذي يبرع عبر هذه الطريقة في مسألتين مهمتين تتعلقان بالأدب وهما النقد والتحليل.
ورغم أن عملية التعليم بدأت في العالم العربي بشكل قوي، فإنها لم تتطور، سواء على مستوى تجديد المناهج، أو إعداد المدرس نفسه، وهو الأمر الذي يقود إلى صناعة طالب يعاني الكثير في فهم الأدب، ويجهل معرفة أنواعه وأجناسه، بالتالي فإن الأزمة التي يعيشها الأدب العربي في عصرنا الحالي يعود جزء كبير منها إلى طرق تدريسه القديمة وغير المستجيبة للتطور الكبير في الأدب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"