مسارات «بريكست» بلا نهاية

02:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
بهاء محمود *

أيام قليلة وتنتهي المدة الرسمية لبريكست، حيث يمر عامان على سحب بريطانيا شعار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما زالت تيريزا ماي رغم تسلسل الهزائم صامدة، لا تغير موقفها، لا تترك الحكومة، تراهن على تصويت ودعم يساندها على اتفاقية مرفوضة من الأغلبية، ما بين أحزاب منقسمة واتحاد موحد الرؤية والهدف ويقف لا يحرك ساكناً تجاه الصراع البريطاني.
حتى منتصف مارس/‏آذار صوت البرلمان البريطاني، على مدار ثلاثة أيام متتالية، على مسارات مهمة في بريكست، خسرت ماي وحكومتها التصويت على اتفاقية بريكست مجدداً، كما خسرت تصويتاً يقرن رفض الاتفاقية بإجراء استفتاء ثان، فيما توافق الجميع على عدم خروج بريطانيا دون اتفاق، وإن كان التصويت غير ملزم، لتلجأ بعدها تيريزا ماي لتصويت آخر حول تمديد بريكست وتعطيل المادة 50، وذلك حتى 30 يونيو، شريطة أن يوافق البرلمان على اتفاقية بريكست الحالية، وإذا لم يوافق سوف تزيد مدة التأجيل لفترة غير معلومة، وإن كنا بحسب اتفاقية بريكست نتحدث عن عامين على الأكثر.
من هنا نحن أمام خيارات للحكومة في مجملها البقاء في الاتحاد الأوروبي لأكبر فترة ممكنة، فالحكومة وتيريزا ماي يعلمان جيداً أن أي تصويت جديد على الاتفاقية بالطبع سوف يرفض من قبل مجلس العموم، لا سيما أنه لا يوجد ما يحفزهم على الموافقة، فضلاً على توحد موقف الأحزاب المعارضة وفق أجندتها السياسية ومطالبها التي لم تتحقق، فمن جانبه عبر «جيرمي كوربن» عن رفضه التام لأي تصويت جديد، واعتبر زعيم المعارضة العمالية أنه سيكون «من السخف» عرض الاتفاق للمرة الثالثة على التصويت داخل مجلس العموم، مهدداً بسعي العمال مجدداً لإسقاط حكومة ماي، حيث يبحث كوربن من جهة ثانية مع نواب من أحزاب أخرى للتوصل إلى بديل عن بريكست، وهو ما يعني خيار الاستفتاء مرة أخرى أو إجراء انتخابات مرة أخرى، لاسيما حين يفشل سيناريو إسقاط الحكومة، وتمسك الأغلبية بوجود تيريزا ماي، فيما يستعد البرلمان الأوروبي الأسبوع الجاري للتصويت على المقترح البريطاني بتأجيل موعد بريكست، وسط أنباء عن رفض إيطالي محتمل للتأجيل.
وبعيداً عن قدرة إيطاليا ورؤيتها فإنه في الغالب لن تستطيع أن تشذ عن الصف الأوروبي، كما أن قادة الاتحاد الأوروبي أوضحوا مراراً أن الموافقة على تأجيل بريكست مرهونة بالغرض من التأخير، لا سيما إذا كان إعادة للتفكير في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو لأسباب فنية محدودة .
ومن جهة أخرى- وإن كانت غير منطقية- يبرر نواب مجلس العموم احتياجهم لفترة أطول لفحص مقترحات بديلة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- مثل الاتحاد الجمركي الدائم مع الاتحاد الأوروبي، واستمرار العضوية في السوق الموحدة والاستفتاء الثاني- لكن المأزق هنا يأتي من ناحيتين، الأولى: أن كل حزب له رؤيته الخاصة ومنقسم على ذاته، وتبرهن على ذلك أنماط التصويت في مجلس العموم طوال العامين فلم يثبت وجود موقف موحد لأي كتلة بشكل ثابت ودائم. ومن ناحية أخرى تمت دراسة كل الأشكال والنماذج سابقاًَ ورفضت، ولا يرى الاتحاد الأوروبي استطاعة لتقديم تنازلات جديدة لبريطانيا.
في سياق مواز، إذا وافق مجلس العموم على معاهدة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في أي تصويت قبل 29 مارس، فستقدم الحكومة تشريعاً جديداً على شكل «مشروع قانون لبريكست» يوضح من خلاله طبيعة العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مثل الاتفاق على حقوق المواطنين، والتسوية المالية وتفاصيل المرحلة الانتقالية، مع الأخذ في الحسبان تصريحات وزير المالية البريطاني فيليب هاموند، لإذاعة «بي بي سي» البريطانية، والرامية إلى نقطتين، الأولى اقتران التصويت الجديد بوجود دعم على الاتفاقية وهو ما لا يبدو متوافراً حالياً، والثانية أنه حتى لو وافق النواب على صفقة تيريزا ماي، للخروج من الاتحاد الأوروبي في الأيام المقبلة، ستكون هناك حاجة إلى «التمديد لمدة قصيرة» لتمرير التشريعات اللازمة، مضيفاً- هاموند ل«بي بي سي»- إن الصفقة قد لا تمضي قدماً في تصويت مجلس العموم الثالث حول الاتفاقية، دون مزيد من الدعم من الحزب الاتحادي الديمقراطي وغيره من النواب، وهو ما يجعل الموافقة صعبة لأن مزيداً من الوقت مرفوض من قبل القوى المتشددة والمحافظة من الحزب الحاكم، حيث إنه، بموجب الصفقة، وخلال الفترة الانتقالية التي تنتهي في ديسمبر 2020، ستظل معظم جوانب عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي سارية، بما في ذلك حرية التنقل عبر الحدود وعضوية الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة.
لذلك يعارض الجناح المتشدد الاتفاقية، بحجة أنها تزيد من سلطات بروكسل على بريطانيا في قضايا مثل الضرائب، والمساعدة الحكومية، وتنظيم العمل والبيئة، ولا توفر أي موعد مضمون للمغادرة، نتيجة لذلك، تسعى تيريزا ماي لمحاولة إحداث تغييرات ترضي الجناح المحافظ، الذي يرى أن هناك تحايلاً على الخروج.
على النقيض من ذلك، إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون اتفاق في 29 مارس، فلن ينهي مفاوضو الاتحاد الأوروبي في الاتحاد الأوروبي محادثاتهم، ولكن تبدأ مرحلة جديدة من أزمات بريكست وتداعياتها تحديداً في 18 إبريل، أي بعد 20 يوماً فقط من إعلان الخروج الرسمي، حيث من المحتمل حدوث المزيد من الاضطرابات في الموانئ ومحال السوبر ماركت والحدود بين جزيرة أيرلندا.
كذلك، وفقاً لخطط طوارئ المفوضية الأوروبية، يتعين على بريطانيا تأكيد ما إذا كانت ستقدم حوالي 7 مليارات يورو من صافي المساهمات في ميزانية الاتحاد الأوروبي لعام 2019، ومن المقرر أن تتم الدفعة الأولى قريباً، والتي تتطلب موافقة مجلس العموم، في 30 إبريل، غير أن السيناريو الأقرب للواقع هو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مع وجود العديد من التسريبات عن وجود مسارين، الأول عن رغبة الاتحاد الأوروبي في التخلص من تيريزا ماي لفشلها في التوافق مع مجلس العموم على اتفاقية بريكست أو إجبارهم على البقاء، والمسار الثاني وجود خطة بين تيريزا ماي والاتحاد لإطالة أمد التأجيل لبقاء بريطانيا للأبد في الاتحاد.


* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"