عادي

حزب العدالة التركي على أبواب حسم معركة الحجاب

14:59 مساء
قراءة 6 دقائق
على الرغم من أن الصراع ما بين المؤيدين والمعارضين لارتداء المرأة التركية للحجاب في الأماكن العامة لم يكن وليد اليوم وإنما يعود إلى العام ،1925 حينما أصدر أتاتورك أول قانون يمنع ارتداء الحجاب الإسلامي تحت طائلة العقوبة، ومواصلة المؤسسة العسكرية رعاية تنفيذ هذا القانون من بعده عبر انتهاج أسلوب الفصل من الجيش لأي ضابط أو جندي تلتزم زوجته بارتدائه، ثم اتخاذ الرئيس نجدت سيزار في عام 2005 قرارا بمنع زوجات الوزراء والنواب المحجبات من المشاركة في احتفالات القصر الجمهوري، إلا أن انتقاد رئيس الوزراء وزعيم حزب العدالة الحاكم رجب أردوغان، استمرار حظر الحجاب في دولة إسلامية كتركيا بينما تسمح به الدول الغربية، على هامش منتدى حوار الحضارات بمدريد منتصف الشهر الحالي، وبعدما فشلت لجنة صياغة مسودة الدستور الجديد في التوصل إلى اتفاق بشأن القضية واضطرارها إلى إحالتها لرئيس الحكومة للفصل فيها، قد أفضى إلى تجدد ذلك الصراع واشتداد وطأته بين جبهتين. إحدى الجبهتين المتصارعتين صفوة علمانية تضم القضاة وجنرالات الجيش، وتطالب باستمرار الحظر على الحجاب وتحذر في بيانات صدرت عن محكمة الاستئناف، أعلى محكمة إدارية في تركيا، ومن بعدها المدعي العام التركي، حكومة أردوغان من مغبة العمل على إلغاء ذلك الحظر خشية أن يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد، وتهديد علمانيتها والسلام الاجتماعي بها، وينذر بإمكانية تعميم الحجاب طواعية أو قسرا من قبل المتشددين. وعلى الجبهة الأخرى جاءت حكومة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية المدعوم كليا من غالبية الشعب التركي ونسبيا من حزب الحركة القومية اليميني، حيث يعتقدون في أن رفع القيود على ارتداء الحجاب إنما يعزز الديمقراطية ويصون العلمانية في تركيا.ولقد تراءى لحكومة العدالة والتنمية أن الوقت قد حان لحسم هذا الملف المعلق والمثير للجدل، خصوصا بعد أن لاحت في الأفق التركي حزمة من المعطيات التي تحضها على تجشم تلك المغامرة، كتنامي الضغوط التي يتعرض لها حزب العدالة من قاعدته الشعبية والمحافظين الأتراك، الذين صوتوا لمصلحته في المعارك الانتخابية الأخيرة مطالبين إياه باستثمار هيمنته على السلطتين التشريعية والتنفيذية والإسراع بإزالة القيود المفروضة على ارتداء الحجاب، الأمر الذي حفز قيادات الحزب لاستعراض عضلاتهم السياسية وتعزيز هيمنتهم على الحكم في مواجهة خصومهم المتربصين بهم، وذلك من خلال خوض غمار معركة حامية لحسم واحدة من أهم وآخر تابوهات الإرث العلماني الأصولي الأتاتوركي، ولاسيما أن الظرف السياسي الراهن في تركيا يعد مثاليا بالنسبة لحزب العدالة، الذي يملك 340 مقعدًا من أصل 550 هي إجمالي عدد مقاعد البرلمان التركي، ويدعمه حزب الحركة القومية اليميني، ثاني أكبر أحزاب المعارضة، الذي يحوز 72 مقعدًا، حيث أكد زعيمه دولت بهشلي موافقته على تخفيف الحظر على الحجاب عبر إجراء تعديل في البند الثاني من المادة العاشرة في الدستور الذي ينص على ضرورة تصرف الموظفين في جميع مؤسسات الدولة الرسمية وفقا لمبدأ المساواة أمام القانون استنادا على حقوق وواجبات المواطنة، فيما لا يملك حزب الشعب المعارض لرفع الحظر عن الحجاب سوى 110 مقاعد، ما يذلل أية صعوبات في البرلمان تعترض اقتراح حزب العدالة بتعديل المادة 222 من الدستور الحالي، والتي بمقتضاها تعزز حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، خصوصا وأن إرجاء حسم القضية لحين إقرار دستور جديد للبلاد قد يبقي الصراع متأججا لحين إقرار هذا الدستور منتصف العام المقبل.وبدورها، خططت قيادات حزب العدالة لإدارة معركة الحجاب بحكمة فائقة، حيث سبق وأن أرجأتها لحين تحقيق إنجازات اقتصادية ونجاحات سياسية لافتة في الداخل والخارج، اتكأت عليها لتحقيق انتصارات حاسمة في الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية على نحو ساعدها في تقليم أظافر العسكر وكسر شوكة القوى العلمانية المعارضة، ثم التعاطي بدهاء مع القضية الكردية عبر إجبار واشنطن على التخلي عن استهانتها بمصالح أنقرة وأمنها وحملها على وقف دعمها غير المباشر لمتمردي حزب العمال الكردستاني، ما ضاعف من قوة وكثافة الضربات المتوالية الموجعة التي وجهتها القوات التركية ضد معاقل متمردي الحزب في منطقة الحدود العراقية التركية دون التورط عسكريا في المستنقع العراقي، لتترسخ دعائم حكومة العدالة والتنمية في الداخل والخارج بما يعينها على دحر خصومها في معركة الحجاب.وإلى جانب حسن الإعداد وبراعة الإدارة، يستند حزب العدالة في معركته حول الحجاب إلى عدد آخر من الاعتبارات، يأتي في صدارتها تأييد قطاع كبير من الشعب التركي لرفع الحظر على ارتداء الحجاب، فوفقًا لمسح أجرته مؤسسة تي. إي. إس. إي. في البحثية التركية مؤخرا، ترتدي 62% من نساء تركيا الحجاب، بينما يعتقد 59% منهن في ضرورته حتى إن الآلاف منهن تتقدمهن زوجة عبدالله غول، كن قد رفعن دعوى ضد حظره أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام ،2005 غير أن المحكمة لم تنصفهن مؤكدة أن منع الحجاب في الجامعات التركية لا يشكل انتهاكا للحقوق الأساسية وقد يكون ضروريا لحماية النظام العلماني من الحركات المتطرفة. وتؤكد دراسات تركية أن تزايد الضغط على المحجبات يزيد من إقبال النساء والفتيات التركيات على الالتزام به لدرجة أن صناعة الزي الإسلامي في تركيا أصبحت من أهم قطاعات الصناعة التركية، كما لم يعد التزام الحجاب حكراً على الطبقة الفقيرة والمتوسطة وإنما وصل إلى الطبقات الثرية التي تتسابق شركات إنتاج الزي الإسلامي التركية لإقامة عروض لأزيائها في أفخم الفنادق بكبريات المدن التركية.وبدهاء يحسد عليه، حرص حزب العدالة على نقل القضية من دائرة الدين إلى حظيرة السياسة وبدا كمن يتعاطى معها من منظور الحداثة والعلمانية اللتين ترفع تركيا لواءهما إلى جانب اعتبارات اقتصادية واجتماعية جوهرية. حيث وصف أردوغان القضية بأنها سياسية بحتة، إذ أكد أن حق ارتداء الحجاب دونما إجبار للسيدات على ارتدائه إنما يجسد العلمانية الحقيقية في أبهى صورها على نحو ما هو سائد في المجتمعات الغربية المتقدمة، التي أكد أردوغان أن هدوء قضية ارتداء الحجاب بها إنما يشي بخلل في التجربة الديمقراطية والمسيرة العلمانية للأتراك، كما أوضح عبدالله غول أن السماح للمرأة التركية بارتداء الحجاب سيمنحها فرصة ملائمة للتعلم والمشاركة الإيجابية في المجتمع باعتبارها نصف المجتمع وتمكينها ركن ركين من عملية الحداثة والتنمية، ولاسيما أن حظر الحجاب قد أجبر آلاف التركيات على عدم إكمال تعليمهن الجامعي، وساعد القضاة في المحاكم التركية على رفض توكيل المحاميات المحجبات، كما اضطرت غالبية شركات القطاع الخاص للإحجام عن توظيف المحجبات تلاشيا للمساءلة. وعاود أردوغان تذكير الأتراك بحادثتين مهمتين للتضييق على المرأة التركية أولاهما، حينما نجح العلمانيون بدعم واضح من المؤسسة العسكرية في إبطال عضوية النائبة البرلمانية الشابة عن حزب الفضيلة مروة القاوقجي، بعد أن فازت بأغلبية كبيرة بمدينة استانبول في انتخابات عام 1999م. وثانيتهما، قيام المجلس الأعلى للإعلام بسحب ترخيص مزاولة العمل الصحافي من صحافيتين شابتين في سبتمبر من ذات العام بسبب التزامهما بالحجاب، وهو ما أفضى إلى حرمان سوق العمل التركية قسطا مهما وكبيرا من الكوادر البشرية ليتراجع معدل مشاركة النساء التركيات في قوة العمل، ولتهبط نسبة تمثيلهن في البرلمان إلى 4% فقط.وإذا كانت تهديدات التيار العلماني متمثلا في القضاء والجيش بإمكان إغلاق الأحزاب السياسية الساعية إلى تغيير المواد الدستورية الحاكمة منذ عام 1982 أو مناهضة المبدأ العلماني للدولة التركية قولا أو فعلا، خاصة وأن مقولة رفع الحظر عن الحجاب ظلت تمثل مبررا لاستهداف الإسلاميين الأتراك وإبعادهم عن الحياة السياسية، كما كانت وراء إسقاط حكومة نجم الدين أربكان في يونيو 1997 وحظر نشاط حزبه الرفاه ثم الفضيلة بحجة مناهضتهما لمبادئ أتاتورك، قد أجبرت دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية على التصريح بأن اقتراح حزبه بشأن رفع الحجاب، إنما يقتصر على المستفيدات من خدمات المؤسسات الحكومية وليس الموظفات في مؤسسات الدولة الرسمية، ما اعتبر تراجعا من جانب الحزب عن دعم حكومة العدالة في هذه القضية رضوخا منه لتهديدات القوى العلمانية. وتبقى مؤشرات عديدة تشي بأن معركة الحجاب قد باتت بسبيلها إلى بلوغ محطتها الأخيرة، خصوصا وأن حزب العدالة والتنمية لا يزال مصرا على استثمار كافة ركائز قوته السياسية في الداخل والخارج من أجل إغلاق هذا الملف المزمن والاستعداد لآخر لا يقل عنه أهمية وتعقيدا كالملف القبرصي، توخيا لتضييق الفجوة بين بلاده وحلمها الأوروبي المستعصي. [email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"