عادي
أفق

ذكرى نازك الملائكة

01:25 صباحا
قراءة دقيقتين

مرت قبل أيام ذكرى ميلاد نازك الملائكة، ولدت في 23 أغسطس/ آب ،1923 من دون أن يذكرها ذاكر، ومن دون أن تحتفي بها المنابر الثقافية والأدبية، وليست هذه أول مرة تعاني فيها هذه الشاعرة الرائدة التجاهل، فقد عاشت آخر سنوات عمرها وقبل وفاتها في عام 2007 منسية تعاني من المرض في القاهرة التي اختارتها لتقيم فيها بعد أن خرجت من وطنها العراق في عام 1990 بسبب ويلات الحرب، وقبل ذلك كانت نازك قد مر عليها فترة وهي ملء السمع والبصر حين فجرت مع ثلة من الشعراء الجدد في أواخر الأربعينات في العراق ثورة شعرية عندما نشروا قصائد انقلبت على نسق البيت الشعري العربي وتركت للشاعر حرية الإطالة في سطره ما شاء في ما عرف بالشعر الحر أو شعر التفعيلة، وتنازعت مع بدر شاكر السياب الريادة بقصيدة الكوليرا التي كتبتها عام ،1947 وظلت حاملة لواء ذلك الشعر مدافعة عنه ومنظرة له، وخاضت في سبيله معارك أدبية لم يخب أوارها حتى استقر فناً شعرياً معترفاً به من بين فنون الشعر العربي، ورغم أن الشعر العربي قطع أشواطاً كبيرة بعد هذه الفترة وتنازعته تيارات كثيرة إلا أن فضل الريادة في التطوير والإبداع يبقى راسخاً ولا يمكن محوه عن الملائكة وجيلها، وستبقى دواوينها عاشقة الليل وشظايا ورماد وقرارة الموجة من أهم ما كتب في تلك الفترة بما حملته من إبداع شعري جميل .

صحيح أنه ليس بالإمكان الرصد الدائم لذكريات ميلاد وموت كل الرواد والمبدعين في الحياة والثقافة والتوقف عندها في كل مرة، وإلا لتحولت حياة الناس إلى احتفالات يومية بتلك الذكريات، لكثرة من يستحقون أن تستعاد ذكراهم وتخلد أسماؤهم، لكن التجاهل التام أيضاً لا ينبغي خصوصاً وأن هناك من المبدعين الذين رحلوا من يحظى على الدوام بالاحتفاليات والكتابة عنه وتبجيل ذكراه، فهو الغائب الحاضر دوماً، وقد لا يكون أنجز أكثر مما أنجزه الآخرون، بل في بعض الأحيان يكون أقل شأناً من آخرين لم ينالوا مثل ما ناله من احتفاء، وهذا اصطفاء غير مبرر أو هو ظالم، اللهم إلا إذا كان بدوافع غير أدبية ولا ثقافية .

بين التجاهل التام للمبدع والاحتفال المستمر بذكراه توجد منزلة وسطى، تبدأ بتوفير الحد الأدنى من الرعاية له في حياته من حيث العناية بما ينتجه وإيصاله للمتلقي وتفريغه لمشاريعه الإبداعية حتى يجد لها الوقت الكافي، وإعطائه مخصصات مادية تضمن له أدنى لقمة عيشه، وعلاجه كلما احتاج إلى ذلك، ثم تخليد اسمه في جائزة أو صرح ثقافي مهم، وأخيراً الاحتفاء به من فترة لفترة في ندوة أو ملتقى يعرف الأجيال به التي أتت بعده بإنجازه ليستلهموه ويجعلوه قدوة .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"