عادي

هايتي لا تزال تلعق جراح الزلزال

02:02 صباحا
قراءة 6 دقائق

في الذكرى الثالثة للزلزال الذي ضرب هايتي، (في 12-1-2010) وخلف عشرات الألوف من القتلى والجرحى، تبدو النداءات القوية التي كانت تدعو إلى إعادة إعمار هذا البلد، وقد تحولت الآن إلى همسات لا تكاد تُسمع من تحت الأنقاض، على الرغم من كثرة المشردين جرّاء الزلزال، ومعاناة السكان من وباء الكوليرا، كما كتب جيسي هاغوبيان، في موقع كومون دريمز، (12-1-2013) .

يستهل هاغوبيان، (المدرّس في مدينة سياتل الأمريكية، وأحد مؤسسي منظمة معلمو المساواة الاجتماعية)، مقالته بالإشارة إلى اعترافِ منسقِ المساعدات الإنسانية الأممي في هايتي، نيغل فيشر، بأن تمويل تلك المساعدات قد اضمحلّ، على الرغم من أن الاحتياجات لا تزال ماسة .

ويقول الكاتب، إنه لا يزال هنالك نحو 300 ألف هاييتي يعيشون لاجئين في مخيمات، وإن أكثر من 60 ألف شخص، كانوا يقيمون في خيام منصوبة على ممتلكات خاصة، قد تمّ إخلاؤهم . وأسوأ من ذلك، أن وباء الكوليرا، المتفشي منذ نحو ثلاث سنوات، قد أصاب مئات الألوف من الناس، وأودى بحياة أكثر من 7900 شخص . وتظل الظروف فظيعة بالنسبة إلى العديد ممّن شرّدهم الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في يناير/ كانون الثاني 2010 .

وليس معترفاً على نطاق واسع، بالتقصير في نجدة هذا البلد، وبأن جهوداً مخلصة، لم تُبذل لتلبية احتياجات ملايين الهايتيين الذين يرزحون تحت وطأة ظروف غير إنسانية . ويستشهد الكاتب، بما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، واصفة تضاؤل الدعم لهايتي، حيث كتبت، (23-12-2012) .

على الرغم من أن 5 .7 مليار دولار على الأقل، من المساعدات الرسمية والتبرعات الخاصة، قد دُفعت فعلاً . . . فإن تعبير دُفعت لا يعني بالضرورة أنها قد أنفِقت . وفي بعض الأحيان يعني ذلك ببساطة، أن الأموال قد تم تحويلها من حساب مصرفي إلى حسابٍ آخر، حيث تعطلت المشاريع وتعثّر تقدمها . وتلك هي حال ما يقارب نصف الأموال المخصصة للإسكان .

فالولايات المتحدة على سبيل المثال، دفعت منذ زمن طويل، 65 مليون دولار، لصندوق إعادة البناء في هايتي، لكي تُستخدَم في أضخم مشروع إسكان يُعتزَم تنفيذه في هذه المدينة المدمرة . وقد قام الصندوق، الذي نشر في يناير/كانون الأول بياناً صحفياً، يَعِدُ ببناء منازل ل 50 ألف شخص، بتحويل الأموال إلى البنك الدولي، الذي يتولى تنفيذ المشروع . ولا تزال كل تلك الأموال تقريباً، قابعة هناك، دون أن يتجاوز الأمر توقيع العقود .

ويقول الكاتب، إن وسائل الإعلام السائدة، تقود المرء إلى الاعتقاد بأن مشكلة هايتي الأساسية هي اضمحلال الرغبة الدولية في مدّ يد العون . فالولايات المتحدة قدّمت أقل من نصف المليار دولار التي تعهدت بتقديمها إلى هايتي . وقد أعلن وزير التعاون الدولي الكندي، جوليان فانتينو في الآونة الأخيرة، تجميد المساعدة إلى هايتي، قائلاً بغضب، إننا لسنا مؤسسة خيرية .

ويرى الكاتب، أن المشكلة، لا تكمن في تخلي الدول عن هايتي، وحتى لو تركتها وشأنها لكان ذلك أفضل لها . . ولكن بعض الدول والمنظمات، كالولايات المتحدة، والأمم المتحدة، دأبت على التدخل في شؤون هايتي، لتحقيق مآرب خاصة .

فقد اتبعت تلك الحكومات والمؤسسات القوية في العالم، سياسات ضاعفت الأضرار التي سببها الزلزال- فكانت كارثة اقتصادية واجتماعية من صنع البشر، تسببت بطرق عدة، في أضرار فاقت الأضرار الطبيعية التي حدثت قبلها .

ويضرب الكاتب مثالاً على ذلك، ما حدث في الانتخابات الرئاسية التي جرت في هايتي، عام 2011 يقول: كان من شأن تلك الانتخابات أن تكون فرصة لسكان هايتي، لتعزيز الديمقراطية، بانتخاب زعيم يشاطرهم قيمهم وإحساسهم بالضرورة العاجلة لبذل الجهود في إعادة البناء . ولكن الولايات المتحدة، ومعها الأمم المتحدة، قررت أن الانتخابات الديمقراطية، سوف تقوّض التاريخ الطويل من الحكم الاستعماري في هايتي .

ولذلك، دعمت الولايات المتحدة، (المُطرب) مايكل مارتلي، ليفوز برئاسة البلاد، وهو نصير سابق للدكتاتور المدعوم من الولايات المتحدة، جان كلود دوفاليه . وقد اختارت الولايات المتحدة مارتلي للقيام بالمهمة، بسبب ارتباطه الوثيق مع زعامات الجيش، الذي اضطلع بتنفيذ الانقلاب الأول ضدّ أول رئيس هايتي منتخب ديمقراطياً، جان برتران اريستيد عام 1991 كما كان مارتلي من أنصار القوات شبه العسكرية التي قامت بانقلاب آخر- دبّرته الولايات المتحدة في عهد جورج دبليو بوش ضد اريستيد عام 2004 .

وبدعم من الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، زورت لجنة الانتخابات المؤقتة، انتخابات هايتي، بمنع 14 حزباً سياسياً من المشاركة، ومن ضمنها أكثر الأحزاب شعبية في البلاد، فانمي لافالاس، الذي يتزعمه الرئيس السابق اريستيد .

وبفضل الجهات الدولية المحركة للدّمى، وتلاعُبها بالانتخابات، نجح ماتلي في تجاهل الاحتجاجات الجماعية على تزوير الانتخابات، واقتناص الرئاسة . وكما قال الصحافي الهايتي، كيم ايفيس: فإن مارتلي لم يَفُزْ إلا بفضل التدخل الأمريكي في الانتخابات الهايتية .

وقد تعهّد مارتلي بفتح البلاد على مصراعيها، أمام المشاريع والأعمال، وهذا ما جعل منه الخيار الأفضل لدى أصحاب المصالح الأمريكيين . ويقول الكاتب، إن الولايات المتحدة، لم تقنَعْ بترك هايتي للمعاناة، بل استخدمت مارتلي، ليكون رئيساً صورياً، تتحكم من وراء ظهره، بإدارة الاقتصاد في هايتي .

وعن الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في هايتي، يقول الكاتب: لعله لا يوجد مثال على قسوة المنظمات الدولية إزاء هايتي، أوضح من مثال وباء الكوليرا الذي تفجر في خريف 2010 فقبل اكتوبر/ تشرين الأول 2010 لم تُسجل في هايتي أي إصابة بالكوليرا، خلال ما يقارب قرناً من الزمن، وفق بيانات منظمة الصحة العالمية . أمّا اليوم، وحسبما تقول منظمة شركاء في الصحة، فإن الكوليرا تظل من الأسباب الرئيسة للوفاة بين البالغين الشبان في هايتي، وتستمر حالات الإصابة بها في التصاعد الحاد في الفترات الماطرة .

وقد توصلت هيئة من خبراء الأوبئة وعلوم الأحياء الدقيقة، عيّنها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى أن جنود حفظ السلام الأمميين من نيبال، هم الذين أدخلوا الكوليرا إلى هايتي، ولوّثوا فرع النهر المجاور لقاعدتهم من خلال نظام صرف صحّي خاطئ . وقد قال خبير الوراثة الميكروبية، الدكتور بول كيم، الذي عمل في إعداد تلك الدراسة، كان الأمر شبيهاً بإلقاء عود ثقاب مشتعل في حجرة مملوءة بالبنزين .

ويقول الكاتب، إن الأمم المتحدة لم تنقل العدوى إلى موارد المياه الهايتية عامدة متعمدة . ولكنْ صحيحٌ أيضاً أنها رفضت الاعتذار عن إطلاق الكوليرا على السكان، قائلة إن انتشار هذا الوباء كان بسبب التقاء عدة عوامل، وأنه لم يكن خطأ، أو عملاً مقصوداً، من قبل فرد أو جماعة بعينها .

ويضيف الكاتب، أن قوات بعثة الأمم المتحدة لنشر الاستقرار في هايتي، ارتكبتْ- إلى جانب نشر الكوليرا- عمليات اغتصاب جماعي لفتيات قاصرات، واستخدمت قوة عشوائية في مناطق مدينية مكتظة بالسكان، وشنت غارات أدت إلى قتل عشرات المدنيين الأبرياء، كما طبقت أولويات أمنية وشُرَطية على المساعدات الإنسانية في أعقاب الزلزال، ممّا أودى بحياة كثيرين ممن احتجزوا تحت الأنقاض، وكانوا في حاجة إلى الحصول على الماء خلال بضعة أيام من حدوث الزلزال .

ويُذكر الكاتب، بأن الأمم المتحدة جاءت إلى هايتي بعد الإطاحة بارستيد، على أيدي مشاة البحرية الأمريكية عام 2004 في محاولة واضحة لإضفاء مسحة انسانية على المصالح الإمبريالية الأمريكية . وكان هدف بعثة الأمم المتحدة في الأساس- كما يقول الكاتب- منع حزب لافالاس فانمي الذي يتزعمه اريستيد من العودة إلى السلطة، وأنه لا دخل لتلك البعثة بالاعتبارات الخيرية .

ويقول الكاتب، إنه لو سُمح بتطبيق أجندة حزب لافالاس الشعبي، الرامية إلى تحسين البنية التحتية في البلاد، لكانت هايتي الآن، في وضع أفضل للتعامل مع انتشار الكوليرا . وكان من شأن استثمار الموارد في نظام صرف صحي وطني، أن ينقذ ألوف الأرواح .

وهكذا يدين الكاتب، تدخلات الولايات المتحدة في هذا البلد، وتقاعسها عن مساعدته . . كما يتهم الأمم المتحدة، بالتواطؤ والتقصير .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"