عادي
أنواعها بالملايين والمعلومات متوفرة عن 5 آلاف

خلاف علمي حول طبيعة الفيروسات

01:33 صباحا
قراءة 6 دقائق

منذ فترة وجيزة اكتشف باحثون أمريكيون أن للفيروسات نظاماً مناعياً كالإنسان ولذا أعادوا إحياء الجدل القديم الممتد لأكثر من قرن حول طبيعتها أهي كائنات حية أم غير حية؟ فربما يرجح هذا الكشف الكفة لمصلحة الرأي القائل إنها كائنات حية ولكن لا بد من إجراء عدد من الدراسات للتأكد من هذا الأمر .

فالفيروسات كائنات موجودة تقريبا في كل النظم الإيكولوجية على الأرض وتعيش الكائنات الحية في عالم من الفيروسات سواء أكانت نباتات أم حيوانات أم إنساناً، فهي تصيب الجميع بالأمراض، ولكن ما طبيعة هذه الكائنات بالتحديد؟ الواقع أن الفيروسات أو الحُمَات هي كائنات دقيقة جداً لا يمكن مشاهدتها بالمجهر الضوئي ويقل حجمها عن حجم البكتيريا بمئة مرة .

على الرغم من أن هناك الملايين من الأنواع المختلفة من الفيروسات لم يتم وصف إلا حوالي 000 .5 منها بالتفصيل . وأول استعمال لها في الإنجليزية كان سنة 1392 . أما معناها العامل المسبب للأمراض المعدية فاستعمل لأول مرة سنة ،1728 وذلك قبل اكتشاف الفيروسات من قبل العالم الروسي ديمتري إيفانوفسكي في عام 1892 حين تمكن من تصفية عصارة أوراق التبغ المصابة باستخدام مرشحات خاصة لا تسمح للبكتيريا بالمرور، ومسح بها أوراق غير مصابة فلاحظ إصابتها . وهو أول من أطلق عليها اسم (فيروس) . وفي العام ،1898 كرر عالم الجراثيم الهولندي مارتينوس بيجيرينك التجارب وأصبح على اقتناع بأن المحلول الناتج عن التصفية يضم شكلاً جديداً من العوامل المعدية ولاحظ أن هذا العامل أصاب فقط الخلايا التي في منطقة التبرقع، لكن تجاربه لم تظهر له أنه مكون من جسيمات لذا قام بتسميته بالعامل الجرثومي الذائب ثم عاد واستخدم اسم فيروس في ما بعد . ساند بيجيرينك نظرية كون الفيروسات سائلة في الطبيعة وهي نظرية فقدت مصداقيتها في وقت لاحق من قبل وندل ستانلي الذي أثبت وجود جسيمات . وفي السنة نفسها اكتشف العالمان فريدريك لوفلر وبول فروش أول فيروس يصيب الحيوان وهو فيروس الحمى القلاعية . وتعتبر الفيروسات بمثابة الكيان البيولوجي الأكثر وفرة في الطبيعة وعند تبخير الوسط المائي الموجود في بعض الفلاتر المخصصة للإيقاع بالميكروبات مثل فلتر أو مصفاة شمبرلند -باستور تظهر الفيروسات على شكل بلورات وهو أمر مستحيل بالنسبة لأية خلية حية .

ومن هنا خرج علماء البيولوجيا بنتيجة مفادها أن الفيروسات عبارة عن كائنات خاملة فلو بعثنا ملايين منها على كوكب قاحل فإنها لن تكون قادرة على استعماره وسيبقى المكان بلا حياة .

ومنذ أكثر من قرن اختلف العلماء حول طبيعتها فمنهم من رأى أنها كائنات حية ومنهم من رأى أنها غير حية لأنها تحتاج إلى دعم ما كي تعمل ولكن في هذه الحالة يمكن أن نقول الأمر ذاته على القمل الذي يموت في حالة عدم توفر دم الثدييات الذي يعيش عليه ولذا فالقمل بالنتيجة كائنات حية علماً بأنها طفيلية الصفة؟ والحقيقة أن الباحثين لايزالون منقسمين حول طبيعة الفيروسات فالذين يرون أنها غير حية يشيرون إلى الأسباب الآتية:

ليست خلية

اختلفت الآراء حول كون الفيروسات كائنات حية أم بنى عضوية تتفاعل معها . فتم وصفها بكائنات على حافة الحياة، نظراً لأنها تشبه الكائنات الحية بامتلاكها جينات وتتطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، وتتكاثر عن طريق إنشاء نسخ متعددة لنفسها بواسطة التجميع الذاتي . وعلى الرغم من أن لها جينات إلا أنها لا تملك بنية الخلية، التي غالباً ما ينظر إليها على أنها الوحدة الأساسية للحياة بمعنى أنها لا تملك الرايبوزومات أي مصانع البروتينات ولا الميتوكوندريا أي مراكز الطاقة . فضلاً عن ذلك ليس للفيروس نواة ولا غشاء واضح مثل الخلية بل إن تركيبه يختصر عموماً ببعض الجينات الموجودة في هيكل مصنوع من البروتينات يسمى قفيصة وهو الذي يمنح الفيروس صفته البلورية التي تتخذ أشكالا عدة منها الأسطوانية والكروية والقذيفية وتلك التي تتخذ شكل الروبوت مع رأس وذيل مسلح بكلابات وبمخالب طويلة .

وبما أن الفيروس يبقى محصوراً في قفيصته الصلبة التي لا منافذ فيها فإنه غير قادر على امتصاص أو طرح شيء، ومن هنا فهو غير قادر على النمو بالحجم ولا يمكنه هضم الدهون الموجودة في الخارج لصنع غشاء كما أنه غير قادر على تصنيع الطاقة وحرق الكربوهيدرات مثل خلايانا وبالتالي فلا مجال هناك لامتصاص العناصر الضرورية لتصنيع المادة العضوية بل هو قادر على إصابة الخلية لقرصنة مواردها ولذا ليست لديه طاقة ولا ينتجها فهو إذاً، بمثابة الميت .

يرى أصحاب الرأي القائل إن الفيروسات ليست كائنات حية أنه من المستحيل ربطها بشجرة نسب الكائن الحي من ناحية التركيب الجيني لأن الفيروسات تمتلك القليل جداً من الجينات ولا تتشابه بجيناتها مع أي من الكائنات الحية الأخرى اللهم إلا تلك التي سرقتها . وعلى الرغم من ذلك فإن لكل فيروس جيناته الخاصة التي لا تتشابه مع جينات الفيروسات الأخرى وبالتالي فإنه من المستحيل التعرف إلى الجينات الموجودة عند كل الفيروسات فالعلماء يتخيلون لكل فيروس سيناريو خاصاً ولذا يرى البعض منهم أن هذه الكائنات ليست سوى أجزاء من جينات أفلتت من خلايا موروثة عن أسلاف قديمة وليس فيها ما يدل على أنها كائنات حية .

وأما أنصار الفرضية القائلة إن الفيروسات هي كائنات حية فيرون أن: المادة التي تتكون منها الفيروسات هي المادة التي تتكون منها الكائنات الحية الأخرى وهي المادة العضوية حيث نجد أن البروتينات والدهون والكربوهيدرات تشكل غلافها الذي نجد في داخله جزيئات كبيرة تسمى الأحماض النووية والتي تميز كل الكائنات الحية لاحتوائها على الجينات الوراثية، فعلى سبيل المثال نجد أن البكتيريا تحتوي على ما بين ألفين و4 آلاف جين وراثي في حين أن خلايا الإنسان تحتوي على 20 ألف جين وراثي، أما الفيروس فلا يحمل إلا بضعة مئات من الجينات ويصل عددها بالكاد إلى ألف جين . من ناحية ثانية تحتوي خلايانا على نوعين من الأحماض النووية وهي ال (دي إن إيه) الموجود في النواة على شكل سلسلتين من (سكر ريبوز منقوص الأكسجين) في حين أن الثاني وهو ال (آر إن إيه) فيتكون من سلسلة واحدة من (سكر ريبوز غير منقوص الأكسجين) بمعنى أنه نسخة عن الأول ولكن بألفباء كيميائية مختلفة . وتعمل خلايانا بشكل عام على استخدام هذين الحمضين النوويين لتصنيع البروتينات أما الفيروسات فإنها تحوي واحداً من هذين الحمضين في قفيصتها ونادراً ما تحوي الاثنين معاً .

تكاثر وتطور

الفيروسات تشبه الكائنات الحية في امتلاكها للجينات وأنها تتطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، وتتكاثر عن طريق إنشاء نسخ متعددة لنفسها بواسطة التجميع الذاتي وهذا ما نلمحه جيداً عندما يصاب أحدنا بالزكام ويشعر بأوجاع في مفاصله وقشعريرة وصداع وهذا يعني أن الفيروسات تصول وتجول في جسد الإنسان بأعداد كبيرة وتتمثل استراتيجيتها في الاستقرار على خلية ما لتحقنها بمجموع جيناتها حيث تتبع الخلية حرفياً تعليمات هذا البرنامج الجيني المقرصن وبالتالي فإن آلاف النسخ من هذا الفيروس تصنع على هيئة قطع متفرقة ثم تتجمع . تخرج هذه الفيروسات المستنسخة من الخلية إما عن طريق تفجيرها وإما عن طريق التبرعم على غشائها الذي تتغلف به قبل ان تتفكك كي تصيب بالعدوى خلايا أخرى . وهكذا يكون للفيروس شكلان أحدهما نائم يمكنه من التحرك بحرية في الطبيعة والآخر نشط يوجد داخل الخلية ويعمل على التحكم بها ليصبح بمثابة الخلية الفيروسية .

تتطور الفيروسات مع الزمن فتتضاعف بأعداد كبيرة لكن تتطور مادتها الوراثية نادراً ما تكتمل وتحدث أخطاء مع كل جيل وتتراكم مع نقل العدوى، وبالتالي تحدث إعادة تشكيل في حالة الفيروس نفسه ومن هذا المنطلق نجد كل سنة لقاحاً جديداً لفيروس الزكام أو الإنفلونزا عن طريق تتبع طريقة تطوره استناداً إلى آخر شكل وصل إليه السنة السابقة .

نظام مناعي

منذ فترة وجيزة لاحظ باحثون أمريكيون في علم الفيروسات آلية للحماية الذاتية عند عدة فيروسات تتسبب في عدوى بكتيريا الكوليرا، فعندما تدخل هذه الفيروسات إلى داخل الخلية فإنها تتعرض لهجوم من قبل الآليات الدفاعية لمضيفها، لكن يبدو أن هذه الفيروسات حسب هؤلاء الخبراء استطاعت إيجاد الآلية الخاصة كي تحمي نفسها من هذا الهجوم وذلك عن طريق تغيير مسار عمل النظام المناعي للمضيف واستخدامه لمصلحتها . ومن المعلوم أن بكتيريا الكوليرا تمتلك ترسانة دفاعية تمكنها من كشف الفيروسات التي تهاجمها وتقوم بتدميرها وذلك على غرار ما تفعله الأجسام المضادة عند الإنسان وكرياته البيضاء مع الميكروبات . وهذا النظام عند البكتيريا مكون من جين كابح يمنع تضاعف الفيروس والبروتينات من خلال قص مادتها العضوية، لكن الفيروسات استطاعت أن تصد هذه الآلية البكتيرية وتوجه نحوها سلاحها المضاد المتمثل في تلك البروتينات المقصوصة وبالتالي عملت على قص ذلك الجين الكابح ونتيجة لذلك لم يعد ثمة شيء يقف أمام تضاعفها كما تشاء .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"