عادي
هجرة الأطفال القُصرالسرية.. حكايات الفقر والألم والمعاناة

«البراءة» ..تُباع في أوروبا

03:46 صباحا
قراءة 11 دقيقة
ملف أعدته: زينب هاشم

هو ذاته البحر الذي تلقف جثة الطفل السوري إيلان وألقى به برفق على الشاطئ هناك، لتظل صورته تؤرق ما بقي في الإنسانية من ضمير، ذاتها الأمواج التي حملته وهدهدته.. هي التي تحمل كل دقيقة آلاف أطفال العرب من ديارهم وأحضان أهاليهم إلى ديار ليست ديارهم، وإلى هوية لم ينتموا إليها، وإلى مصير غير معلوم، بذلك الجانب الآخر من شواطئ البحر المتوسط.. إلى أوروبا حيث ينقلهم سماسرة الموت والتجارة السوداء المحرمة.. بعد أن دفعوا حفنة من النقود لأهاليهم الذين فرطوا في فلذات الأكباد خوفاً وطمعاً، خوفاً من الفقر، وطمعاً في أن يوفر هؤلاء الأبناء لهم حياة كريمة، أو أن توفر لهم بلاد القارة البيضاء حياة كريمة لم يجدوها في بلاد الجود والكرم.

على شاطئ البحر المتوسط في امتداده العربي... أطفال يبكون ويتعلقون بثياب ذويهم وفى أعينهم كلمة رجاء، وآخرون تم تخديرهم، وأطفال رُضع لا حول لهم ولا قوة لن يتذكروا يوماً الأرض التي نبتوا فيها، هؤلاء جميعاً يتم شحنهم شحناً إلى بلاد ليست كبلادهم كي يكونوا في أحسن الأحوال أبناء بالتبني لأسر حرمت من الإنجاب، وفي أقسى الظروف يتم استغلالهم جنسياً أو في الترويج للممنوعات أو تنتهى بهم الحال إلى قطع غيار لأطفال أوروبا، يمنحونهم الحياة، بينما يتجرعون هم الموت. مشاهد مأساوية تدمي القلوب.. سطور مفجعة لا تملك أمامها إلّا الشعور بالخزي والحنق على أولئك السماسرة الذين يتاجرون بلحم أطفال العرب، مستغلين الفقر والقهر والعوز والحرب والدمار.

مليونان من أصل 4 ملايين شردتهم الحرب

أطفال سوريا ما بين الغرق والاستغلال القسري

تقرير : محمد عيسى

الموت جوعاً أو تحت أنقاض المنازل التي نسفتها براميل البارود، لن يكون أرحم كثيراً من معاناة نحو مليوني طفل سوري، حسب مفوضية اللاجئين، هجروا بلدهم هرباً من جحيم الأسد أو معارضيه.. هؤلاء الأطفال يمثلون نحو نصف عدد المهاجرين أو اللاجئين السوريين.. وإذا كان المهاجرون من الكبار يشكون عدم قدرتهم على احتمال الأوضاع الصعبة التي يواجهونها في الهجرة، فما بالنا بما يتعرض له هؤلاء الأطفال والظروف التي يعيشون فيها.

«اللاجئون السوريون يتدفقون عبر الحدود بالنهار والليل، أكثر من نصفهم من الأطفال.. إنها أزمة لاجئين ومهاجرين أطفال أكثر منها أزمة كبار.. إنه لشيء يفطر القلب عندما ترى هؤلاء الأطفال.. ليس هناك ما هو أكثر أهمية من نجاة جيل من الأبرياء.. وحتى بعد أن يعبروا الحدود إلى بر الأمان، فإنهم يعانون من الصدمة والإحباط ويكونون بحاجة إلى ما يعيد لهم الأمل».

هذا ما يؤكده بانوس مومتزيس المسؤول الأممي عن اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب في بلدهم إلى دول مجاورة هم من الأطفال، وأن عدد الفارين يتضاعف كل مدة، وأنه توجد خطط جاهزة لمساعدة 4 ملايين شخص في سوريا، مليوني مشرد داخل سوريا، ومليونين

يحتاجون إلى المساعدة في منازلهم، نصفهم بالطبع أطفال.
ويعود سبب تسمية مومتزيس لأزمة اللاجئين السوريين إلى «أزمة لاجئين أطفال» إلى أن الكثير من الأسر السورية لديها من 8 إلى 10 أطفال في الأسرة الواحدة، وبشكل عام يصعب حصر عدد الأطفال السوريين الذين هجروا بلدهم على وجه دقيق، لكن عندما تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في آخر إحصاء لها، الشهر قبل الماضي، بأن عدد اللاجئين السوريين بدول الجوار تجاوز 4 ملايين، وسيصل إلى 4.27 مليون لاجئ بنهاية عام 2015، فعلى الفور سندرك أن نصفهم وأكثر أطفال، أي أن عدد الأطفال السوريين المهجرين يتجاوز مليوني طفل، بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة في وقت سابق: إن نحو 12.2 مليون شخص في سوريا يحتاجون لمساعدات، بينهم أكثر من 5 ملايين طفل.
ومما لاشك فيه أن المجتمع الدولي قد فشل في تحمل مسؤولياته تجاه هؤلاء الأطفال.. وعلينا أن نتوقف، وأن نسأل أنفسنا، بكل ما تمليه علينا ضمائرنا، كيف يمكننا الاستمرار في خذلان أطفال سوريا، هذا ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، مشيرة إلى «أن هؤلاء أطفال حقيقيون، معظمهم دون سن الحادية عشرة، انتزعوا من ديارهم، وربما من أسرهم، وأجبروا على الفرار من ديارهم كلاجئين ومهاجرين، ليواجهوا أهوالاً لابد من إدراكها، وعلينا جميعاً أن نتقاسم هذه الحقيقة المخزية، لأننا في الوقت الذي نعمل فيه من أجل التخفيف من معاناة أولئك الذين تضرروا من هذه الأزمة، يحدث هذا التهجير القسري للأطفال بين ظهرانينا.
ووفقاً لما رصدته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن الأضرار الجسدية والخوف والتوتر والصدمات النفسية التي يتعرض لها الكثير من الأطفال السوريين الذين هاجروا، ليست هي كل معاناتهم، بل هناك تهديدات أخرى بالعمالة والزواج المبكر والاستغلال الجنسي والإتجار بالبشر.
وفي محاولة لتسليط الضوء على أزمة الأطفال السوريين المهاجرين واللاجئين، تعاونت «اليونيسيف» أخيراًً مع أشهر النجوم البريطانيين لتصوير فيلم تحت عنوان «لا مكان مثل المنزل» للفت النظر إلى معانات اللاجئين السوريين الأطفال، الذين يعيشون ظروفاً قاسية تكون مميتة للبعض منهم في بعض الأحيان، وتوجهت منظمة «اليونيسيف» من خلال هذا الفيلم بنداء إلى العالم أجمع للتبرع من أجل مساعدة آلاف الأطفال السوريين المهاجرين لتزويدهم بالأغطية والملابس والرعاية الطبية.

أطفال إفريقيا .. ضحايا سماسرة الموت

تقرير: إيمان عمر الفاروق

كالغزلان الشاردة عن القطيع أو الأزهار النابتة في قلب الصحراء أو كلمة دافئة وسط الصقيع، يحزمون أمتعتهم ويشدون الرحال بمفردهم من دون ذويهم إلى الشواطئ الأوروبية فينتهون كطير ذبيح، تدفعهم إلى هناك أمواج الظلم والقهر والظمأ لعذوبة المال، أو فراراً من فيروس إيبولا وأسباب شتى كثيرة، فيستقلون سفن الموت بأشرعة أحلامهم المتكسرة، يتوسدون أكفهم الصغيرة، ويسدلون أجفانهم على ماض مروع ومستقبل مجهول، ربما يكون أشد إظلاماً من جوف البحر، إنها أفواج الأطفال المهاجرة بعيداً عن أحضان عائلاتها الدافئة لترتمى بين أذرع الشوك.
الهاتف المحمول هو العنصر الأكثر حيوية وأهمية بين مختلف الأغراض التي يحملها الأطفال القُصر المهاجرون بمفردهم، بهدف التواصل مع الأفراد الذين يُفترض أن يمدوا إليهم يد المساعدة والعون حال وصولهم إلى الدولة التي يقصدونها وللتعرف على مدنها والتجول بسهولة.
أما الصورة «السيلفي» على صفحات الفيس بوك فهي رسول طمأنة لعائلاتهم وتأكيد خبر اجتيازهم رحلة الهلاك بسلامة، وذلك وفق ما جاء بالتقرير الخاص عن استعباد الأطفال الصادر عن منظمة «أنقذوا الأطفال» البريطانية الشهيرة بمكتبها بإيطاليا العام الماضي.
وطبقا لتصريحات فلافيو دى جياكوما، الذي يعمل بالمنظمة الدولية للهجرة، غالباً ما يدفع المهاجرون الأفارقة من جنوب الصحراء حوالي 500 دولار، وهو ما يُعد أقل مما يدفعه غيرهم من المهاجرين، لكنهم نظير ذلك يقبعون طوال الرحلة بمخزن السفينة الذي يمثل أكثر أجزائها خطورة. ويُضيف جياكوما قائلاً: «لقد قابلت بنفسى مجموعة من الفتيان من جامبيا كُتبت لهم النجاة من براثن الموت والطعن حينما حاول بعضهم مغادرة المخزن إلى سطح السفينة، وحتى قبل الوصول إلى السفينة فإنهم يواجهون كثباناً من المخاطر أثناء اجتيازهم الصحراء، تتنوع ما بين احتمالات التعرض للقتل، والسرقة والاختطاف».
تُرى ما الذي يدفعهم لامتطاء صهوة المخاطرة والمجازفة بأرواحهم؟ تختلف الأسباب وتتنوع بطبيعة الحال، وفقاً للدولة التي ينتمون إليها، والظروف التي يمرون بها هناك، وبحسب تصريحات كارلوتا بيلينى، مدير قسم الحماية بمنظمة أنقذوا الأطفال بإيطاليا، تمثل الصراعات والنزاعات العامل الرئيسي خلف هجرة الأطفال بغرب إفريقيا، لاسيما من مالى ونيجيريا.
والخطير في الأمر أن المستقبل الذي ينتظرهم يقبع على قارعة الشوارع خصوصاً الفتيات، نظراً لأنهن دائماً ما ينحدرن من عائلات فقيرة تعاني العوز والجهل، فيندفعن رغماً عنهم خلف الأحلام البراقة بالعمل في أوروبا فيصبن بصدمة حال وصولهن إلى بلد الهجرة ليجدن الوظائف التي تنتظرهم لا تتجاوز وظيفة جليسة أطفال، العمل بمحال تصفيف الشعر، أو بائعات بمحال الملابس، فتلك هي الوظائف المعتادة لأمثالهن ذوات الحظ الوافر، مقارنةً بأقرانهن اللاتي يوقعهن حظهن العاثر في براثن الأعمال غير الشرعية أخلاقياً، وتجدر الإشارة إلى أن الكثير منهن تتم مساومتهن قبل السفر على ذلك، لكنهن لا يكن على دراية كاملة بالطبيعة المروعة المقززة لحقيقة الواقع الذي ينتظرهن هناك من شروط مهينة واستغلال أكثر مهانة.
أما المهاجرون المصريون من الأطفال دون سن الثامنة عشرة فيُطلق عليهم «مهاجرو الاقتصاد»، غالباً ما تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً، وفق تصريحات بيليني ويستند أغلبهم إلى أحد مواد القانون الإيطالي التي تنص على عدم جواز طرد الأطفال القُصر المهاجرين سواء كانوا مهاجري الاقتصاد أو طالبي لجوء، ولكن بمجرد بلوغهم 18 عاماً يمكن تسفيرهم إلى بلدانهم في حال عدم حصولهم على شكل ما من الحماية الإنسانية اللازمة لأمثالهم، واللافت للنظر أن أعداد المهاجرين المصريين من الأطفال القُصر إلى إيطاليا بالتحديد تضاعفت العام الماضي لأسباب عجز العاملون بمجال المساعدات الإنسانية عن رصدها حتى الآن، وطبقاً للتقديرات الرسمية، يمثل المصريون حوالي ربع طالبي اللجوء من الأطفال القصر. وغالباً ما يمكثون في إيطاليا ويعملون تحت وطأة شروط قاسية بُغية سداد الديون المستحقة على عائلاتهم، والتي اضطروا لاقتراضها للوفاء بنفقات رحلة الشقاء.
وإذا كانت إيطاليا هي نهاية المطاف للأطفال المصريين المهاجرين فإن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لأقرانهم من إريتريا، حيث تُعد روما بالنسبة لهم مجرد محطة «ترانزيت» في رحلتهم، يرسلون أنظارهم إلى شمال أوروبا ويحلمون بالعمل في السويد أو هولندا أو ألمانيا أو بريطانيا.
ويمثل الإريتريون أكبر الجماعات المهاجرة إلى إيطاليا، ففي العام الماضي بلغت نسبتهم الربع من إجمالي المهاجرين من الأطفال، دون 18 عاماً، إلى إيطاليا، غالبيتهم من الذكور، وكان السبب الشائع بينهم هو الفرار من الخدمة العسكرية التي تصل مدتها في إريتريا إلى حوالى 18 شهراً، لكنها قد تمتد لفترة زمنية أطول من ذلك، ويواجهون عبر رحلتهم صعاباً جمة بمعسكرات اللاجئين.
الأرقام والإحصائيات عن النسب الخاصة بالأطفال المهاجرين تواجه مشكلة كبيرة، وقد تدفعنا لتقديرات مضللة، فثمة فجوة في الأرقام ناتجة عن ادعاء بعض المهاجرين القُصر بلوغهم 18 عاماً للإفلات من مخاطر التعرض للاعتقال لفترات طويلة، ومن ثم فإن الأرقام الحقيقية على الأرجح أعلى بكثير من البيانات المتداولة، وهو ما أشارت إليه منظمة «هيومان رايتس واتش» في أحد تقاريرها عن هجرة الأطفال القُصر إلى اليونان، وقد صرح جو بيكر، بمنظمة هيومان رايتس واتش، قائلاً: «إن أقل ما يجب أن تقوم به دول الاتحاد الأوروبي حيال هؤلاء الأطفال هو ضمان عدم تعرضهم لسوء المعاملة أو حرمانهم من حقوقهم وتمتعهم بشبكة أمان». وهو ما تعجز عن توفيره، بطبيعة الحال، اليونان نتيجة لأزمتها الاقتصادية، وبالنتيجة نقص الإنفاق العام ونقص الخدمات والرعاية والأموال، وتهالك البنية التحتية اللازمة لمساعدتها على منحهم الحماية التي يحتاجون إليها.
الأرقام الخاصة بالإتجار بالبشر أو ما يُطلق عليه «عبودية العصر الجديد» والصادرة عن «مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة» تشير إلى أن الاستغلال الجنسي بات يمثل أكثر أشكال التجارة البشرية شيوعاً بنسبة تقدر بحوالي 79% بدول الاتحاد الأوروبي، 80% منهم من الإناث وحوالي 20% من الجنسين من الأطفال تحت سن 18 عاماً، وربط تقرير صحفي لمجلة «نيو إنترناشيونال يست» بين تلك الأرقام والظروف القاسية للمهاجرين الأطفال إلى دول الاتحاد الأوروبي، حيث يعيشون في عزلة، بلا جذور أو روابط عائلية، فقراء، وليس من عوامل أفضل من ذلك لإغراء تجار البشر لاصطيادهم.

استغلالاًللحرب ومعاناة الأسر المهددة

منظمات سرية في ليبيا واليمن تصدرهم لشمال أوروبا

في اليمن يصبح الهروب من عدم الاستقرار والبحث عن حياة أفضل في دولة أوروبية، هو الحلم الذي يطارد أسراً بأكملها لا تملك إلّا أن توفر حياة آمنة لأطفالها سالكين طرقاً مختلفة للهروب، بوساطة من منظمات وعصابات يخطفون الأطفال ويعملون ضمن منظمات سرية.

في البداية تتحدث سارة مخلوف عن أطفالها الذين باعهم زوجها إلى تاجر كان يشتري الأطفال الصغار قبل عمر السبع سنوات، شريطة أن يكون الطفل سليماً بدنياً، ولا يعاني مرضاً، وهو ما ذكره لها زوجها من معلومات يتضمن اعترافاً منه ببيع أولاده إلى عصابات تدفع آلاف الدولارات، ولكل طفل ثمن حسب صفاته الشكلية والجسدية، وتستكمل الحديث قائلة: زوجي باع أطفالي الخمسة، بعدما فشل في توفير الأمن والأمان لهم، فكل يوم نستيقظ على انفجارات تودي بحياة آلاف الأطفال ونقف نشاهدهم جثثاً ملقاة أمامنا، وهنا لا نقول إننا نبيع أطفالنا بل نبحث لهم عن حياة آمنة، بعدما فشلت حكوماتنا في حمايتنا، وقد روى لي زوجي سره عندما اتفق مع عربة مخصصة لنقل الأطفال لتمكنهم من الهروب عبر الحدود، وبعدها يسافرون عن طريق مسؤولين أيضاً يتم توفير لهم أسر تكرمهم ويعيشون في كنفها حياة آمنة، أما نحن فهي حياتنا التي لا نعرف كيف نتخلص منها، لكن ما فائدة أن نحتفظ بأطفالنا، وكل يوم نفقدهم قتلى بلا حق أو حرمة لدمائهم.

وبالمنطق نفسه يتحدث عسيري أحمد، أب لخمسة أطفال قائلاً: ما نعيشه أمر بالغ الخطورة، فنحن غير قادرين على العيش السليم أو حماية أولادنا ونسائنا فنحن نعيش في احتياج شديد، لا نملك شيئاً، فلماذا لا نُهرب أولادنا ولا نساعدهم في ذلك، وحتى إن كان واقع الأمر أننا لا نعرف إلى أين هم ذاهبون، أو ما هو مصيرهم، لكن لا يوجد أسوأ من الفقر والقتل والغارات، وأنا قمت ببيع أطفالي، وكانت آخرهم طفلة رضيعة، وذلك لصالحهم وليس للحصول على الدولارات، على الأقل قمت بتسليمهم لأشخاص يساعدونهم على العيش والحياة الكريمة بعيداً عن الصراعات والجوع الذي نعيشه هنا. وهو ما تتحدث عنه هناء مخلوف قائلة: في كل الأحوال يصبح الهدف من بيع الأطفال هو أن يصلوا إلى أوروبا ليعيشوا حياة مختلفة بعيداً عن الفقر الذي قد يواجههم في بيئتهم التي ينشأون بها، وهنا يصبح السفر سهلاً وهو الأمر الذي قد يلجأ إليه الكثيرون، وليست فقط الأسر الليبية، بل هناك مهاجرون من بلادهم، يأتون إلى السماسرة، ويبيعون أطفالهم إلى رؤوس عصابات مهمتها فقط الحصول على الأطفال، ويرسلونهم في عربات كبيرة مغلقة أو حتى في قوارب إلى أوروبا، وهناك يكون لكل طفل ثمن على حسب الاستخدام ولا يتساوى الرضيع بالطفل المتجاوز سنواته الأولى ويصبح الاتفاق المادي في البداية قبل سفر الأطفال، وهناك أسر تبيع أطفالها وتدر لهم هذه الجماعات راتباً شهرياً، في حالة تم تنفيذ وعدها بذلك، وهناك أسر تطمح إلى السفر هي بنفسها، فترسل أطفالها أولاً وتطلب من المسؤولين توفير فرصة سفر، وهو ما يحدث في أكثر من مدينة ليبية، وكل يوم هناك أناس يتعاملون من خلال البحر مع هؤلاء التجار لبيع الأطفال، وتنتهى مسؤولية الأسرة تجاه الطفل بمجرد تسليمها الطفل.
ويستكمل الحديث، الليبي حداد سند، قائلاً: هذه الوقائع لبيع الأطفال وتهجيرهم لأوروبا لا علاقة لها لا بثورات ربيع عربي أو غيرها فهي موجودة ومتجددة من قديم الأزل، وهؤلاء التجار لهم أماكن معينة فهم لا يتتبعون الأطفال ولا يبذلون مجهوداً في إقناع الأسر لبيع أطفالها، لكن تأتي إليهم كل أسرة راغبة في بيع أطفالها، وتعرض عليهم الطفل، ومنهم من يكتفي بإخلاء مسئوليته تجاه الطفل، وتسليمه لهؤلاء التجار حتى تشتريه أسرة أخرى قادرة على حمايته وتوفير سبل الحياة الكريمة له، وهناك أسر تشترط الحصول على مبلغ معين، والتجار ليس عليهم غير تسلم الطفل، وقد يختلف التجار من مكان لآخر، وفي مناطق معينة يُعرفون بالاسم، وقد يضطروا أحياناً لتغيير أماكن وجودهم، إذا ما تم رصدهم، ولكن يتركون وسيلة للاتصال بهم في المكان الجديد، الذي ذهبوا إليه، وهؤلاء التجار لهم زبائنهم ومتعاملون معهم بدول كثيرة في العالم، وهم لا يهتمون إذا كان الطفل مسروقاً أو هذا الذي يبيعه هو والده أو والدته، فالأهم هو الطفل نفسه، وأياً يكن عمره، فهمهم الأول التجارة والربح فقط، وهؤلاء التجار أماكن وجودهم تكون بالقرب من البحار دائماً، حيث الغرق أو النجاة للاستغلال القسري ولا ثالث بينهما، إلاّ ما رحم ربك.

*ينشر بالتزامن مع الأهرام العربي

الرق الجديد

أسوأ ما تتعرض له تلك الفئة من المهاجرين هو الاستغلال الجنسي، تجارة رخيصة كشفت بعض خيوطها العنكبوتية وكالة أنباء «رويترز» بتقرير لها بتاريخ 1 من يونيو/حزيران الماضي، جاء تحت عنوان «هجرة الأطفال فراراً من الفقر إلى الاستغلال الجنسي» أشار التقرير إلى أن شواطئ البحر المتوسط شهدت قدوم أعداد هائلة من المهاجرين الأطفال بالتحديد بلغت حوالى 2,556 طفلاً بداية من مطلع العام الجاري، وحتى شهر إبريل/نيسان، شكلت نسبة من جاؤوا بمفردهم ما يربو على النصف تقريباً، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن هيئة «الأمم المتحدة»، غالبيتهم من دول الشمال الإفريقى كمصر.

واستعرض التقرير دراسة خطيرة قامت بإعدادها «مؤسسة ثومسون رويترز»، والتي أكدت أن العديد من هؤلاء الأطفال الذين يهربون من الظروف الاقتصادية القاسية الجافة أو الاضطرابات السياسية ببلدانهم يتعرضون في إيطاليا، على وجه التحديد، لأصناف شتى من المعاناة خصوصاً الاستغلال الجنسي أو العمل القسري نظير عائد مادي هزيل.
حوالي 50 % من الأطفال القصر الأفارقة الذين قامت بزيارتهم بعض الطواقم الطبية، جميعهم من الذكور، تبين أنهم ضحايا للاستغلال الجنسي، وذلك وفقاً لتصريحات البرفيسور ألدو مورونو، وهو طبيب بمستشفى سان جيلانو بروما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"