عادي

إيبولا.. أزمة حُكم لا أزمة صحية

02:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
بينما يتنفس غربي إفريقيا الصعداء بعد إعلان منظمة الصحة العالمية مؤخراً، أن غينيا خالية من مرض إيبولا، سوف يستمع العالم إلى مزيد من الأخبار ذاتها عن إخفاق الأنظمة الصحية في غربي إفريقيا، وعدم كفاية الاستجابة الدولية. ولا تلامس هذه الروايات- رغم صحتها- جوهر المشكلة: وهو أن أزمة إيبولا، في صميمها، أزمة حكم، لا أزمةٌ صحية.
إن قدرة إيبولا على تركيع دول غينيا، ليبيريا، وسيراليون، مثال على حقيقة أشمل، هي أن الدول الهشة - التي تتسم بضعف الإدارة، وانعدام الثقة بالحكومة بين السكان وافتقار المؤسسات إلى النضج- لا تستطيع أن تستجيب بفاعلية للصدمات الداخلية أو الخارجية. والاعتقاد بأن إيبولا قضية صحيّة بحتة، يطمس الأسباب الجذرية للإصابة بالمرض، التي كشفها إيبولا.

إن تجهيز الدول الهشة للصمود أمام الصدمات، يتطلب نهجاً جديداً. والتفكير بكل أزمة كحالة منعزلة - أزمة صحية، أو أزمة اقتصادية، أو أزمة أمنية - يقصّر عن إدراك أنَّ كل قطاع من هذه القطاعات، يشكل جزءاً من نظام الحكم. والواحد منها لا يفشل بمعزل عن غيره، بل بسبب مشكلة أكبر، هي ضعفُ الحكومة ذاتها، ويتجلى ذلك على نحوٍ خاص، في الدول الهشة، التي تفتقر- بحكم تعريفها- إلى الأهلية الكلية للدولة.
وقد خبرْنا ذلك من قبل: في زلزال هايتي عام 2010، وفي انقلاب مالي العسكري عام 2012، وحتى في الفوضى التي ضربت الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربي. وينصبُّ التركيز على الأعراض، لا على الأسباب الكامنة. فالدول الهشة قد لا تبدو كذلك، ولكنها يمكن أن تنهار سريعاً تحت الضغط. و«مالي» خير مثال على ذلك: فحتى عندما كانت هذه الدولة على شفا الانهيار عام 2012، صُنّفت أقلَّ هشاشة من الهند أو الصين على «مؤشر الدول الهشة».

صحيح أن إيبولا مرض، وهو بهذا المعنى، قضية صحّية. ولكنَّ ما مَكّنَ حدوث الأزمة بهذا الحجم- إذ مات أكثر من 11 ألفاً، وأصيب 28 ألفاً في 10 دول- وما انكشفَ على أثرها، هو الأزمة الأعمق في الحكم. فلا ريب في أن المؤسسات المدنية المتينة تستطيع احتواء إيبولا على نحو أسرع- ولنتأملْ كيف سيطرت السنغال ونيجيريا على أزمتيْهما. أمّا في غينيا وسيراليون وليبيريا، فقد خرج إيبولا عن نطاق السيطرة، وتطوّر إلى أزمة حكومية أخذت أبعاداً أمنية لا داعيَ لها.
ويبرز ذلك واضحاً عندما يتأمل المرء كيف استجابت ليبيريا وسيراليون، وهما البلدان الأشدّ تأثراً، عندما خرج إيبولا عن نطاق السيطرة في منتصف عام 2014. فعندما انهارت مؤسساتهما المدنية، بما فيها وزارتا الصحة، أعلنت الدولتان حالة الطوارئ ونشرتا جيشيْهما لفرض إجراءات الحجْر الصحّيّ الشامل غير العاديّة.
ولم ينفع ذلك. حدثت قلاقل شعبية- وفي أسوأ الحالات، أطلق الجيش الليبيري النار على الجمهور، فقتل صبياً يافعاً وجرح آخرين. وفي نهاية المطاف، ساهم الجهد الدولي المكثف بدعم أساسيٍّ لجهود تعبئة المجتمع- الجهود المدنية- لإنهاء الأزمة هناك.
ومع ذلك، فإن اللجوء إلى الجيش لم يأت من فراغ. فبعد أن خرجت كل من ليبيريا وسيراليون من حربين أهليتيْن طاحنتيْن، مَنحت جهود إعادة الإعمار الدولية الأولوية للقطاع الأمني، باعتباره ضامناً للاستقرار في المستقبل. ونتيجة لذلك، كان الجيش أقوى مؤسسة في البلدين، وكان الجهة الوحيدة التي تلجأ إليها الحكومتان عند الضرورة. ولكن الجيوش لا تكون فعالة إلاّ إذا كانت تحظى بدعم مؤسسات حكومية تكميلية قوية.
وقد أنحى كثيرون باللائمة على حكومات غينيا وسيراليون وليبيريا على بطء استجابتها. ولكن، وعلى الرغم من أن ردود فعل هذه الدول، كانت غير كافية ومشوبة بسوء الإدارة، فإنها- ببساطة - لم تكن مجهزة كما يجب، للتعامل مع مثل هذه الأزمة. ولذا، فإن توقع قدرتها على أن تفعل ذلك، لا يتسم بالواقعية.

والمساعدة من الحكومات والمؤسسات الدولية أمر ضروري. ولكنه يجب على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في كيفية بناء المساعدة، وتسلسلها وتسليمها- ولا سيما مساعدات ما بعد الأزمة التي تقدّم أولوية بناء مؤسسات الجيش على أولوية المؤسسات المدنية. إن هذا أوان الابتكار، والتفكير الخلاق وابتداع الحلول التي تتعامل مع هذه التحديات الكامنة.

وعلى سبيل المثال، تم دمج المستشارين العسكريين والمدربين الأمريكيين في الجيش الليبيري منذ عام 2005، لتعزيز تلك المؤسسة بدرجة كبيرة، إلاّ أن المؤسسات المدنية لم تنل مثل هذا الاهتمام. تخيّلْ لو أن المجتمع الدولي على مدى العقد المنصرم، أعطى أولوية مماثلة لمؤسسات الحكومة المدنية، بما فيها وزارات الصحة والتعليم والمالية أو الأشغال العامة.
يجب على العالم أن يكون مستعداً لأزمة إيبولا أخرى. ولكن، مثلما البرق، لا يتوقع للأزمة ذاتها أن تضرب مرتين على التوالي. وهذا بالتحديد هو السبب في أن المفتاح يكمن في دعم مؤسسات الحكم التي تستطيع الردّ على أي صدمات تواجهها هذه الدول لاحقاً.

لانسانا جبيري

باحث أول في «برنامج إفريقيا لمنع الصراعات»، في «معهد الدراسات الأمنية» في أديس أبابا. موقع: «أوُلْ افريكا»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"