عادي

«إيبولا» و«زيكا» لا يسببهما الفيروس فقط

04:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
ديفيد ساندرز

الأخطار الصحية العالمية التي تشكلها الأوبئة الفيروسية الحديثة، مثل إنفلونزا الطيور، والإيدز، وإيبولا وزيكا باتت كثيرة الحدوث إلى درجة لا تسمح بتجاهلها واعتبارها مشاكل عرَضية.
ما لم يقم مجتمع الصحة العامة في العالم بالاستثمار في النظم الصحية وتطويرها، لتخدم الفقراء، فسوف تستمر تلك الفيروسات في الانتشار وإحداث أضرار عميقة.
وعلى الرغم من أن إفريقيا الوسطى، هي موطن جميـــع حالات الانتشار الرئيسيـــة السابقة لفيـــروس إيبولا، فإنها تبعد مئـــات الكيلومتـــرات عن المكان الذي تركّز فيه أحـــدث انتشـــار للوبـــاء، الذي حدث في غرب إفريقيا. ويمكن تفسير الانتشار الجغرافي للوباء، بالفقر الذي يرغم الناس على التوغل في الغابات بحثاً عن الطعام، حيث يحتكون بخفافيش الفاكهة أو غيرها من الحيوانات التي تأثرت بالخفافيش.
فكيف تُفسَّر سرعة الانتشار المتفجرة التي تفشّى بها إيبولا في الآونة الأخيرة؟ الجواب لا يكمن في علم أمراض هذا الوباء، بل في علم أمراض المجتمع، وبُنية العالم السياسية والاقتصادية.
كان انتشار وباء إيبولا نتيجة للفقر والاستغلال البشع لموارد المنطقة الطبيعية. وكان المتأثرون، من حيث المبدأ على الأقل، هم الأفقر في العادة- الذين أرغمتهم القلة على البحث عن الطعام في الغابات، حيث احتكوا بالحيوانات التي تؤوي الفيروس.
كما أدى الاستغلال الاقتصادي إلى استنزاف موارد النظم الصحية وإضعافها، وجعلها عاجزة عن احتواء انتشار الفيروس.
ولنأخذ سيراليون على سبيل المثال. فقد توسعت صناعة تعدين الحديد الخام فيها سريعاً، وأدى ذلك إلى زيادة في معدل النمو الاقتصادي في البلاد بنسبة 20% في عام 2013، وفق صندوق النقد الدولي. وأثار الاهتمام بمواردها المعدنية غير المستغلة إلى حدٍّ كبير، سيلاً من الاستثمار، بعد عقد من انتهاء الحرب الأهلية المدمرة التي استمرت من عام 1991 إلى 2002. ويُدرَج معدل النمو الاقتصادي في هذا البلد، بين أعلى المعدّلات في العالم.
ومع ذلك، أسهمت صناعة التعدين في البلاد عام 2010 بنحو 60% من الصادرات، ولكنها لم تسهم إلاّ بـ 8% من إيرادات الحكومة.
وبالمثل، كانت ليبيريا وغينيا مستهدفتين بشدة من قبل الشركات الأجنبية. وتملك ليبيريا في الوقت الحالي، أعلى نسبة بين الاستثمار الأجنبي المباشر والناتج المحلي الإجمالي في العالم. ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى الملكية الأجنبية لشركات إنتاج المطاط.
وفي غينيا، كانت المنطقة المتضررة من فيروس إيبولا، قد اجتذبت الأعمال الزراعية قبل وقت قصير من انتشار المرض. وفي عام 2010، قامت شركة «الأراضي الزراعية المحدودة» المدعومة من بريطانيا، بشراء مساحة شاسعة من الأرض لزراعة الذرة وفول الصويا. كما ابتاعت إحدى شركات الطاقة الإيطالية أكثر من 700 ألف هكتار لإنتاج محاصيل الوقود الحيوي. واعتماد هذه البلدان على الصناعات الاستخراجية مثل التعدين وقطع الأشجار، والخسائر المالية الناجمة عن التهرب من الضرائب، تركتها معدمة، وأسهمت في انخفاض الاستثمار في نظمها الصحية، وإصابة هذه النظم بالضعف الشديد.
وليس من قبيل المصادفة أن وباء إيبولا أصاب ثلاثة من أفقر البلدان في العالم. وتأتي دول ليبيريا، وغينيا، وسيراليون في المراتب 175، 179 و183 على التوالي، ضمن مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، الذي يتضمن 187 دولة. ونظمها الصحية تفتقر إلى الفعالية، بل تكاد تكون غير موجودة في العديد من المناطق، التي تؤثر في إدارة الأمراض.
في سيراليون، على سبيل المثال، أصيب في الشهور الأربعة التي أعقبت انتشار مرض إيبولا، 848 شخصاً بالفيروس، ومات منهم 365. وشهدت البلاد، في أربعة أشهر في المتوسط، نحو 650 حالة وفاة جرّاء الالتهاب السحائي، و670 من السلّ، و790 من فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، 845 من الإسهال، وأكثر من 3 آلاف من الملاريا.
ومثل هذه الوفيات يحدث منذ عقود، ولكن من دون تركيز سابق على هذه الدول.
ومن أجل حل هذه المشكلة، يجدُر في البداية التركيز على الرد على الأزمة. فقد كانت استجابة منظمة الصحة العالمية، لمرض إيبولا، ضعيفة، لأسباب منها اقتطاع أكثر من 50% من ميزانيتها المخصصة للتفشي والرد عليه - وهو بند الميزانية ذاته، اللازم لمواجهة فيروس إيبولا.
ولكن إدارة الأوبئة الفيروسية تتطلب من السلطات أن تنظر إلى ما هو أبعد من الردّ الفوري على الأزمة. والاستثمار الرئيسي والجوهري في الموارد البشرية لازم ومطلوب. ويقتضي ذلك، من حيث المبدأ، إجراء زيادة كبيرة في مساعدات المانحين.
وفي المدى المتوسط، هنالك حاجة ملحة لتعزيز النظم الصحّية في المنطقة.
ولكن أكثر الحلول قابلية للاستدامة يتطلب إجراء تغييرات أساسية في علاقات الاقتصاد والسلطة بين هذه الدول، وبين الاقتصادات والمشاريع الرأسمالية الدائبة على استنزافها، وبتواطؤ من المسؤولين والنخب المحلية، في كثير من الأحيان.

أستاذ فخري في كلية الصحة العامة بـ«جامعة الكاب الغربية» بجنوب إفريقيا. موقع: «ذي كونفرسيشن»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"