عادي
بلا ضفاف

الشريف الرضي

03:56 صباحا
قراءة دقيقتين
ولد الشريف الرضي في عام 359 هجرية وسط الاضطراب السياسي والاجتماعي الذي لم يحل دون ازدهار الفكر ونموه، فكانت حركة تأليف واسعة ثمرة الغرس الذي تعهده الجيل السابق.
عاش الشريف الرضي الحياة وكان يرى الدنيا بأعين الكهول وهو في نضرة شبابه وتفتحت عبقريته وشدا بشعره الذي استوعب عصره، ومس الغزل شغاف قلبه، فكانت له حجازياته الرقيقة.
وأفاد الشريف الرضي من أعوام البؤس نعمة باقية فقد أحب أباه حباً عظيماً، وتلهف عليه تلهفاً موجعاً، وما كان سجن والده إلا نكبة حلت بذلك البيت فصودرت الأملاك وتتابعت الرزايا وصادف هذا كله فتى رقيق الحس مرهف القلب.
وضاعف من البلية أن الرضي كان يرفض المكسب الخسيس، فساقه التصون إلى الضنك، ولم يبق أمامه وأمام أخيه غير التصرف فيما كانت تملكه أمهما الرؤوم، حتى اضطرت الأم إلى بيع أملاكها وحليها لتضمن لهما عيش الكفاف إلى أن يمن على زوجها بالخلاص.
وقد عرف الشريف بحجازياته حتى أن القدماء يضربون بها الامثال فقالوا: لا تصقل نفس المتأدب إلا بحفظ هاشميات الكميت، وزهديات أبي العتاهية، وتشبيهات ابن المعز، ومدائح البحتري، وحجازيات الشريف الرضي.
كان الشعر المتنفس الذي يتنفس الشريف من خلاله وبه ينفس عما كان يعتلج في صدره من طموحات وأحلام، واتسع عصره وبلده لسماع ما قاله في الحب والعشق، ولكنه مع ذلك حبس عواطفه في قفص من حديد، لأن المجتمع العراقي على تسامحه لم يكن يبيح لمثله الاستحياء.
ولقد تميز الشريف الرضي برقة الشعر الذي اشتهر به العذريون، بل ربما كان أكثر رقة، إذ تجري فيه نغمة الأسى والحزن واللوعة، وكانت حياته صورة للنزاع بين العقل والقلب، وهي معضلة نفسية عاشها الشاعر، يقول:

لولا هواك لما ذللت وإنما

           عزي يعيرني بذل فؤادي

كما أن هذا النزاع بين العقل والقلب دفع الشريف إلى التخلص من مذاهب البغداديين في التشبيب، لأن أكثر الشعراء في تلك الأيام كانوا قد أسرفوا في العبث والمجون، وكان يرى من موجبات الكرامة الترفع عما ألفه أولئك الشعراء من التبذل.

وكان الشريف الرضي في حجازياته وغرامياته وغزله معلم من معالم القرن الرابع للهجرة، وبذلك الغزل وبتلك الحجازيات سارت الركبان، يعزفون على وتر الشريف الرضي الحنان، فيحلقون معه في سماء الحجاز.
ولم يكن الشريف في غرامياته من تلاميذ بغداد، لأننا لا نحس فيها الأنفاس البغدادية، التي كان يقوم غزلها على العبث والمجون، ولكنه من تلاميذ البيداء التي فجرت شاعريته بعيدا عن التبذل والإسفاف.


نجاة الفارس
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"