عادي

إفريقيا.. فقر وجوع ومرض وفساد

03:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
سيزار شيلالا
من المهم بدرجة حاسمة مساعدة الدول الإفريقية على تحسين الحكم قبل تقديم المعونة المالية.
يهدد الجفاف في الصومال حياة نصف السكان تقريباً، وفقاً لرئيس وزراء الصومال حسن علي خير. على مدى يومين وحسب، مات على الأقل 110 أشخاص من الجوع في منطقة واحدة فقط في البلاد. ويؤكد ذلك الحاجة الهائلة للصومال ودول إفريقية أخرى، إلى المساعدة الفورية.
وفي العقود القليلة الماضية، أرسِلتْ موارد مالية هائلة إلى المنطقة، ولكن ما تمّ إنجازه قابل للجدل، إذ جاء بنتائج عكسية فيما يبدو بالنسبة إلى الاحتياجات الفعلية لإفريقيا.
على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في مكافحة فيروس الإيدز، تظل المشاكل الصحية الأخرى قائمة. وعلى الرغم من أن وباء إيبولا تمت السيطرة عليه إلى حدّ كبير، فإن احتمال حدوث وباء جديد لايزال قائماً. والدول الآن أفضل استعداداً للتعامل مع اندلاع موجة جديدة، ولكن ربما ليس إلى الحدّ الذي يتطلبه وباء جدّي خطير.
ولايزال مرض السل متفشياً في جنوب إفريقيا، التي يوجد فيها أعلى معدل وفيات بالسّلّ في العالم، وتأتي بعدها زيمبابوي وموزامبيق. وأسوأ من ذلك أيضاً، أن العدد المرتفع من حالات السل المقاوم للأدوية المتعددة في الكثير من الدول، يجعل علاج المرض أصعب بكثير.
ويموت خمسة أطفال تحت سن الخامسة كل دقيقة في الإقليم الإفريقي، ثلثاهم لأسباب يمكن الوقاية منها. فالتهابات الجهاز التنفسي، والإسهال، والملاريا، والحصبة، وسوء التغذية، تمثل تهديدات كبيرة على صحة الأطفال. والالتهاب الرئوي والملاريا، هما السببان الرئيسيان في وفاة الأطفال تحت سن خمس سنوات. ويمكن أن يؤدي التفاعل المتبادل بين نقص التغذية والعدوى إلى دائرة مفرغة من المرض المتفاقم وتدهور الحالة الغذائية.
ولا يمكن دراسة المشاكل الصحية في إفريقيا بمعزل عن الحقائق الاجتماعية والسياسية والبيئية، وهي تتطلب استمرار المساعدة الفنية والمالية الخارجية. وزيادة الجهود اللازمة لتوسيع فرص الحصول على الرعاية الصحية الأولية، وبخاصة في المناطق الريفية، إضافة إلى تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض وتحسين أنشطة التثقيف الصحي. وهجرة الأطباء والممرضين إلى الدول الصناعية، التي تجري على قدم وساق، تضاعف المشاكل الصحية.
وعلى الرغم من بعض التقدم في المجال الاجتماعي، فإنه تبقى بعض المصاعب المهمة؛ وإحداها البطالة واسعة النطاق، ولا سيما بين الشباب. فما يقارب 70% من السكان في إفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى تحت سن الثلاثين، و30 % من العاطلين عن العمل أيضاً شباب. ولا بُدّ من وضع سياسات جديدة لدمجهم في قوة العمل.
ومن الخطوات الأولى في هذا السبيل تزويد الشباب بالمهارات الأساسية، لكي يتمكنوا من تحقيق قدرتهم على الكسب. وقد أوصت منظمة اليونيسكو، ومنظمة العمل الدولية، والقطاع الخاص بتطوير سياسات متكاملة لخلق فرص عمل للشباب، وتسهيل الانتقال من المدرسة إلى العمل.
والفقر في القارة منتشر على نطاق واسع، ويؤثر في معظم السكان. في عام 2010، كان أكثر من 400 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع في جميع أنحاء جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. وفي الوقت الحالي تفتقر نسبة كبيرة من النساء إلى أي دخل معقول. والتوسع في القروض الصغيرة، إلى جانب مشاريع التنمية الريفية الموجهة بصورة رئيسية نحو النساء، يمكن أن تحسّن الوضع على نحو ملموس.
والتعليم من المجالات الأخرى التي تثير القلق؛ ونسبة الأطفال في المدارس الابتدائية، في إفريقيا، أدنى من أي منطقة. وإضافة إلى التفاوت الكبير بين الجنسين، إذ تتخلف البنات عن الأولاد كثيراً في التحصيل العلمي، فإن الفوارق الجغرافية بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية، والتفاوتات الاقتصادية بين الأسر ذات الدخل المنخفض، وذات الدخل المرتفع، كبيرة أيضاً.
والعديد من الخبراء في شؤون إفريقيا، لا يؤمنون بفاعلية المساعدات؛ كتب «دامبيسا مويو»، الخبير الاقتصادي العالمي، المولود في زامبيا، والذي يتمتع بمعرفة واسعة في الشؤون الإفريقية: «الأموال من الدول الغنية، حصرت العديد من الدول الإفريقية في دوامة الفساد وتباطؤ النمو الاقتصادي والفقر، ومن شأن وقف تدفق المساعدات، أن يكون أنفع بكثير».
والمساعدات، مع ذلك، يمكن أن تصبح فعالة في تحسين مستوى معيشة الناس وتعليمهم. ومن المهم بدرجة حاسمة مساعدة الدول الإفريقية على تحسين الحكم قبل تقديم المعونة المالية. وإضافة إلى ذلك، يجب أن تتجاوز المعونة الفعالة الحكومات الفاسدة، وتجد طرقاً لمساعدة الناس بأساليب أكثر مباشرة، كأن يكون ذلك عن طريق المنظمات الاجتماعية والدينية.
وعلى الرغم من أن مبالغ ضخمة من الأموال قد أرسِلت إلى إفريقيا، عبر المساعدات الثنائية والدولية، فإنه لا توجد حتى الآن آليات فعالة للمراقبة ومساءلة المتلقين عن الإنفاق. وهذا مهم جدّاً، لأن الفساد يشبه الأعشاب الضارة التي تستنزف النسيج الاجتماعي والطاقة للدول. وكذلك لا توجد طرق كافية لتقييم نوعية المشاريع الممولة بصورة رئيسية من قبل مؤسسات الإقراض الدولي ووكالات الأمم المتحدة.
يجب أن تستهدف المساعدات الإفريقية تعزيز المجتمع المدني والمنظمات التي تستند إلى المجتمع. وتحتاج الدول الإفريقية إلى تحسين ظروف التجارة لمنتوجاتها، والمساعدة التقنية المخططة بعناية ومسؤولية. فإفريقيا، التي حباها الله طبيعة سخية، وشعوباً تمور بالحيوية والقدرة على العمل الدؤوب، لاتزال قارّة تبشر بالأمل.

* مستشار دولي في الصحة العامة
موقع: كاونتر بانش

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"