محنة لبنان بين الأزمة والمأزق

04:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

الحظر الصحي؛ لمواجهة جائحة «كورونا» في لبنان، لم يمنع فئات شعبية من النزول إلى الشارع؛ للتعبير عن غضبها واستيائها من الحال المعيشية، وتراجع القيمة الشرائية للعملة الوطنية، خلال فترة وجيزة، بنسبة تصل إلى 170%، وعدم قدرة المصارف على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، وتقنين السحب المالي اليومي، وهو ما دفع بالكثير من المحللين اللبنانيين وغيرهم للقول إن لبنان أمام «ثورة جياع»، فالأزمة الاقتصادية والنقدية بلغت ذروة غير مسبوقة؛ إذ فاقمت أزمة «كورونا» الأوضاع المعيشية سوءاً؛ بسبب اعتماد قسم كبير من اللبنانيين في تحصيل معيشتهم على الأعمال اليومية.
على الرغم من مضي عقود على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، فإن الاقتصاد اللبناني بقي ضعيفاً وتابعاً، ومصدر التبعية هنا يعود إلى اعتماده على المساعدات الخارجية بشكلٍ رئيسي، وتحويلات المغتربين من أجيال مختلفة؛ حيث تقدر تلك التحويلات بأرقام تصل إلى نحو ثمانية مليارات دولار سنوياً، إضافة إلى النشاط السياحي؛ لكن مصادر العائدات نفسها عانت خلال السنوات الأخيرة، مع التحولات الإقليمية والدولية، وقد شهد قطاع السياحة اللبناني موجات من التراجع، إلى أن وصل مؤخراً إلى حالة ركود شبه تامة، وإغلاق عدد من المنشآت السياحية الكبرى.
السياسات النقدية في لبنان، قامت على فلسفة الاستدانة، وتمّ إغراق لبنان الدولة والمواطن بديون وصلت إلى 90 مليار دولار، ولم يعد لبنان قادراً على الوفاء بالأقساط المترتبة عليه تجاه الدائنين الدوليين، في الوقت الذي كانت فيه المصارف اللبنانية تقرض الدولة بأسعار فائدة عالية من أموال مودعيها، مع أن أي معادلة حسابية، تأخذ بالحسبان مقدار العائدات المالية للدولة، من إنتاج، وجمارك، وضرائب، من شأنها أن تكشف عن أن هذا الإقراض بفوائد عالية، هو إغراق للدولة في مستنقع الديون.
يأتي لبنان في موقع متقدم على قائمة الدول الفاشلة، وهي قائمة يصدرها سنوياً «صندوق السلام الأمريكي»، بالتعاون مع مجلة «فورين بوليسي»، ويعتمد التصنيف في هذه القائمة على تحليل 12 عاملاً أساسياً وفرعياً في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ حيث تشكل قدرة الحكومة المركزية على القيام بأداء مهامها السيادية إحدى أبرز تلك العوامل الأساسية، والمقصود بهذا الأمر، قدرة الحكومة على احتكار السلاح، وضبط الحدود، وتحقيق الاستقرار السياسي، وضبط الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية، أو ما يُسمى اقتصاد الظل، والتوازن بين الناتج المحلي الكلي، وبين الاستدانة.
قام «اتفاق الطائف» في عام 1989، والذي انتهت بموجبه الحرب الأهلية في لبنان، على ما يسمى «الديمقراطية التوافقية»، نظراً للمشكلات البنيوية التي يعانيها، لكن هذا النظام السياسي، الذي كان مأمولاً منه أن يحقق الاستقرار، وقع في مطب تكريس معظم القوى الحزبية التي أنتجت الحرب.
لبنان اليوم أمام محنة كبيرة؛ لكن تقصي حدود هذه المحنة بالغ الأهمية، ويتعدى الجانب التحليلي إلى الجانب الواقعي، الذي يمسّ لبنان في وجوده، فمعظم دول العالم تعاني أزمات، لكن السياسة، في أحد أوجهها، هي فن التكيف مع الأزمات، مع العمل المستمر من أجل إنتاج وقائع جديدة من أجل تجاوزها، فهل محنة لبنان اليوم هي أزمة عابرة أم مأزق وجودي؟
إن المعادلات الإقليمية والدولية التي أنتجت «اتفاق الطائف» تغيّرت بشكل حاد وعميق، وتغيّرت معها طبيعة الصراعات في المنطقة، وهو ما تزامن مع استنفاد السياسات الحكومية والاقتصادية والنقدية في لبنان لقدرتها على تأمين الحدود المعقولة للاستقرار، ولئن كان النمط السياسي/ الاقتصادي المبني على الولاء والمحسوبية قد تمكن من تحقيق حالة من الرضا النسبي سابقاً لدى بعض الفئات، لاستفادتها منه، إلا أن هذا النمط أصبح عاجزاً عن تحقيق معادلته الرئيسة: استمرار الطبقة السياسية مقابل مكاسب متواضعة وثابتة للفئات الاجتماعية.
تخطى لبنان عتبة تصنيف محنته كأزمة، ودخل في مأزق؛ حيث إن معادلة «الطائف» أمام اختبار تاريخي، وأصبحت تحدياته تطال وجوده؛ لكن ما يزال مبكراً التخمين أي طريق سيسلك لبنان للخروج من هذا المأزق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"