الوباء وحسابات ترامب

03:19 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

أصاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عين الحقيقة حين أعلن أن تداعيات أزمة كورونا المستجد في بلاده أسوأ من هجومي «بيرل هاربر» عام 1941 و11 سبتمبر في 2001، وهما حدثان شكّلا نقطتي تحول في التاريخ الأمريكي الحديث ودفعا واشنطن إلى انتهاج سياسة خارجية تعتمد على القوة العسكرية لفرض مواقفها ومصالحها ومد نفوذها عبر العالم.

ما لم يقله ترامب هو أن الأزمة الحالية ضربت جميع الدول تقريباً وكلها أصبحت منكوبة وتتألم بسبب العدد الكبير من الوفيات والإصابات والخسائر الاقتصادية الفادحة والعلاقات الدولية المتوترة والمخاوف المتزايدة من امتداد المعركة ضد الفيروس إلى مدى غير معلوم. فالدول الأوروبية وروسيا والصين تعرف نفس الأزمة وسط تحذيرات متطابقة من ركود اقتصادي هو الأسوأ منذ عقود، وتحديداً منذ ثلاثينات القرن الماضي. ولكن الولايات المتحدة ما زالت تعتقد أنها محور الكون ومن تقود العالم وتضع السياسات. وبسبب هذه الخلفية يعتبر ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو وبعض المسؤولين الآخرين أن فيروس كورونا المستجد «مؤامرة صينية» خرجت من أحد مختبرات ووهان، وهو الأمر الذي ترفضه بكين بشدة وتعتبر ما يدور على ألسنة كبار المسؤولين في واشنطن مجرد أكاذيب واستنتاجات مريضة لا تجد من يصدقها حتى في الولايات المتحدة، بدليل أن قادة وزارة الدفاع (البنتاجون) والاستخبارات المركزية طعنوا في روايات ترامب وبومبيو واستبعدوا بقوة أن يكون الفيروس «صنيعة صينية».

مما لا شك فيه أن تداعيات كورونا خطيرة جداً وستكون لها تأثيرات واسعة في السنوات المقبلة تتضمن تغييرات في مستويات عدة. وباعتبار أن الولايات المتحدة تتصدر قيادة العالم منذ عقود فإنها تخشى أن يسحب المقود من يديها أو تشاركها فيه قوة أخرى. وأقرب القوى المؤهلة لذلك بكل جدارة هي الصين التي تضررت من هذه الأزمة، ولكنها ليست كالحال التي عليها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ومنها بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا. ورغم أن هذه الدول، التي لم تخرج بعد من دائرة الخطر في المواجهة مع الفيروس، تخطط لما بعد هذه الأزمة، وكل منها تريد أن تحافظ على موقعها ومصالحها وتحالفاتها أيضاً، وهو ما تمت ملاحظته مؤخراً من خلال التصريحات الممالئة للموقف الأمريكي ضد الصين.

حين يذكر ترامب بهجومي «بيرل هاربر» و11 سبتمبر، فإنه لا يستحضر الحدثين فقط، وإنما ما حدث بعدهما، فبعد الهجوم الياباني على القاعدة الأمريكية في هاواي دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء وخرجت منتصرة بأقوى اقتصاد وأعظم جيش. وبعد هجوم 11 سبتمبر في نيويورك تورطت الولايات المتحدة في حرب كبرى على الإرهاب تخللتها أخطاء استراتيجية مثل غزو العراق وأفغانستان، وقد أثرت تلك الأخطاء في سمعة الولايات المتحدة الدولية وكلفتها خسائر باهظة جداً. وبعد التجربتين الأولى والثانية، ربما تفكر واشنطن في أن فيروس كورونا كان بمثابة «اعتداء عليها»، ويجب الرد عليه. ربما يفكر ترامب في ذلك، ولكن الحسابات هذه المرة ستكون مختلفة جداً والعالم لن يكون كالسابق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"