ماذا تبقى من الخطط التنموية؟

03:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

لم تتمكن الصين فعلياً من تحقيق خططها الخمسية، من دون الاندماج التدريجي في نظام السوق بمعناه الرأسمالي.

منذ عقود، تبنت دول عربية عديدة ما يُسمى «الخطط الخمسية»، والمقصود بها «الخطط التنموية» للبلاد، والتي تقام على أساس زمني محدد، وعوامل محددة، آخذة بالحسبان ما تمتلكه من موارد كبرى رئيسية، بما فيها الموارد البشرية، إضافة إلى احتياجاتها المستقبلية، مع تحليل العوامل الخطرة، أو ما تمّ التعارف عليه بأنه «المخاطر المحتملة» خلال تنفيذ الخطط التنموية، والتي يمكن أن تقوّض أسس تلك الخطط، وبالتالي بناء سيناريوهات؛ لمواجهة عوامل الخطر.

دول كبيرة، في القرن العشرين، مثل الاتحاد السوفييتي السابق، والصين، ودول الكتلة الشرقية سابقاً، برمجت خططاً تنموية، تقوم على أساس زمني مدته خمس سنوات؛ لكن نتائج تلك الخطط تفاوتت بين تجربة وأخرى، وقد كانت الصين، استناداً إلى ما حققته من نتائج كمية ونوعية، هي التجربة الأكثر نجاحاً بين الدول التي سارت التنمية فيها على أساس الخطط الخمسية، على الرغم من تعثر بعض تلك الخطط التي تبنتها الصين في بعض الدورات، نتيجة أسباب عديدة، من بينها: التجريب المستند إلى الأيديولوجيا، أكثر مما يستند إلى العلوم المختلفة.

تأثرت الدول العربية، التي دارت في فلك الاتحاد السوفييتي السابق، والتي قادتها أحزاب قومية، أو قومية اشتراكية، بفكرة الخطط الخمسية، ووضع بعضها، منذ سبعينات القرن الماضي، خططاً خمسية؛ لتطوير القطاعات الإنتاجية والاقتصادية والإدارية والتعليمية؛ من أجل تحقيق الأهداف الرئيسية للتنمية، أي الاستقرار المجتمعي، بالدرجة الأولى، وقادت الأحزاب الحاكمة إدارة الخطط التنموية، وأشرفت على عمليات الرقابة على التنفيذ، ضمن الأطر السياسية القائمة، والمنظمات النقابية المختلفة، وامتلك معظمها مؤسسات للرقابة والتفتيش، من أجل حوكمة عمليات التنمية.

عمليات التنمية، في معظم الدول العربية غير النفطية، أخذت على عاتقها تأمين حدّ معقول من الاستقرار للطبقة الوسطى، وتوسيع الإمكانات التي تسمح للفقراء بالانتقال إلى الطبقة الوسطى، خصوصاً من خلال التعليم المجاني، إضافة

إلى سياسات التوظيف غير الحقيقية؛ من أجل تأمين دخل شهري للأسر، بغض النظر عن المردودية الإنتاجية للعامل أو الموظف في قطاعات الدولة، فالمطلوب هو تحقيق شكل من أشكال توزيع الثروة، بطريقة تمنع الانفجارات المجتمعية على أساس طبقي، بين من لا يملكون وبين من يملكون، وكان التبرير الأيديولوجي لتلك المنهجية جاهزاً.

لا يختلف علماء الاجتماع على أن هدف التنمية هو تحقيق الاستقرار الاجتماعي؛ لكنهم يختلفون على المنهج الاقتصادي الذي تستند إليه عمليات التنمية، وآليات التنفيذ،

وضرورة نزاهة آليات الحوكمة، خصوصاً لجهة المساءلة، وهو ما يتطلب بالضرورة وجود نظام تشريعي وقضائي قوي، له استقلالية ومصداقية، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نظام حكم يعتمد فصل السلطات الثلاث؛ التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، وهو ما لم يتوافر في الدول، التي تتمتع فيها السلطات التنفيذية بصلاحيات واسعة، على حساب المؤسستين التشريعية والقضائية.

ونتيجة لكون معظم الدول العربية هي أنظمة قائمة على اقتصادات لا يكتسب فيها التصنيع مكانة بارزة وحاسمة في الناتج القومي، فإن عمليات التوظيف لدى قطاعات الدولة ومؤسساتها المختلفة، من أجل تأمين مداخيل شهرية للأفراد والأسر، أوجد تضخماً في الطبقة البيروقراطية، قابله هزال واضح في المشاريع الإنتاجية، وغياب للروح التنافسية، التي تستمد قوتها من السوق ومتطلباته.

هل يمكن للتنمية، حتى في الدول التي تتبنى الاشتراكية، أن تكون بعيدة عن متطلبات السوق؟

لقد قدّم النموذج الصيني، بما له، وبما عليه، من إجابة واضحة، فلم تتمكن الصين فعلياً من تحقيق خططها الخمسية، من دون الاندماج التدريجي في نظام السوق بمعناه الرأسمالي، وخلال ثلاثة عقود أصبحت لاعباً رئيسياً في هذا النظام؛ إذ إنه من دون هذا الاندماج ما كان بإمكانها أن تحقق وفرة في الناتج القومي، تسمح لها بتطبيق خطط التنمية، فالاقتصادات المغلقة، أو الضعيفة، لا يمكن لها تحقيق التنمية، مهما بررت ذلك أيديولوجياً، وسيكون خيارها الوحيد في مواجهة الاختلالات الاجتماعية اللجوء إلى آليات ضبط سياسية وقانونية متعددة، لتحقيق استقرار النظام السياسي من جهة، والاستقرار الاجتماعي من جهة أخرى.

لم يبق من بعض خطط التنمية العربية، الخمسية وغيرها، سوى ذكرى للتاريخ السياسي والاجتماعي، توفر مادة للباحث؛ لكن بالنسبة للشعوب، فإن ما لا يمكن تعويضه، ليس فقط هدر الإمكانات الوطنية المادية والبشرية، وإنما الطموحات الكبيرة التي علقت عليها الكثير من الآمال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"