تحويل الفلسطينيين إلى كنديين

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

تصريحات فريدمان تدل على أن «إسرائيل» والقوى الداعمة لها، تقف وراء أغلب المشاريع المساندة للهجرة الفلسطينية.

اعتاد المسؤولون الأمريكيون و«الإسرائيليون» على إطلاق التصريحات الغوغائية التي تتنافى مع الحقائق التاريخية للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، والتي تنم عن رغبة في خداع العالم، وممارسة أسوأ أنواع التضليل السياسي لفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني، وتمرير المشاريع التصفوية لقضيته.

ومع أننا قد نكون تعودنا على هذه الأساليب التي برع فيها قادة الدولتين في عدائهما للشعب الفلسطيني، ونكران حقوقه الوطنية، إلا أن هناك أحياناً حالات أو تصريحات للمسؤولين الصهاينة، سواء «الإسرائيليين» أو الأمريكيين، لا تبدو غريبة عن المنطق وحسب، وإنما تدل إما على غباء سياسي، أو استغباء فاضح لكل الرأي العام العالمي.

في تصريحات أدلى بها في مقابلة أجرتها معه صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية، أعلن السفير الأمريكي لدى «إسرائيل»، ديفيد فريدمان، أنه يتفهم موقف اليمين «الإسرائيلي» الذي «ليس بإمكانه الموافقة على دولة فلسطينية تقام في الضفة الغربية وقطاع غزة»، على الرغم من أن خطة «صفقة القرن» التي كان فريدمان أحد المبادرين إلى وضعها في إدارة دونالد ترامب، لا تطرح دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ومع أن هذا الموقف ليس جديداً على الإدارة الأمريكية، إلا أن اللافت فيه هو رؤية فريدمان لإمكانية قيام الدولة الفلسطينية التي تبدو أقرب إلى الطرح التهريجي الكوميدي، منها إلى التصريحات السياسية. فقد زعم هذا المسؤول الأمريكي أن قيام دولة فلسطينية سيتم عندما «يتحول الفلسطينيون إلى كنديين».

وحول مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة إلى «إسرائيل»، الذي تنص عليه «الخطة الأمريكية» قال فريدمان، إنه «توجد ثلاثة أنواع من المناطق في المنطقة «C» التي تعادل مساحتها 60% من مساحة الضفة؛ منطقة مأهولة بمستوطنات يهودية كثيرة، وستُعلن السيادة عليها بحيث سيتمكنون من توسيعها بشكل كبير، وهذه الأغلبية الساحقة من السكان (97% من السكان «الإسرائيليين»)، وستكون مثل تل أبيب ولن تكون هناك أي قيود».

أما النوع الثاني فهو نصف المنطقة C، التي لن يكون فيها بناء من أي نوع كان، لا «إسرائيلي» ولا فلسطيني، وهذه المنطقة مخصصة للدولة الفلسطينية وسيحتفظ بها من أجلها في السنوات الأربع المقبلة، وهناك نوع ثالث، يسمى ب«الجيوب» أو «المستوطنات البعيدة»، وهذه تعادل 3% من مجمل المستوطنات اليهودية، وستعلن «إسرائيل» سيادتها عليها، لكنها ستتوسع إلى أعلى فقط، وفي السنوات الأربع المقبلة بإمكانها البقاء في نطاق أراضيها الحالية فقط. وهكذا، فإن الأغلبية العظمى من الاستيطان ستكون وفق القواعد نفسها التي داخل الخط الأخضر.

تصريحات غريبة تنم عن عنجهية مفرطة بل مضحكة أيضاً، حيث يمن فريدمان على الشعب الفلسطيني بالقول إن الإدارة الأمريكية صنعت مساحة للفلسطينيين توازي ضعف منطقتي A وB اللتين بحوزتهم اليوم، وصنعت من أجلهم ربطاً بين الضفة وقطاع غزة، على افتراض أنه سيكون هناك شعب فلسطيني موحد في يوم من الأيام، وهذا إنجاز كبير، وتنازل لم تكن «إسرائيل» ملزمة بتقديمه من الأراضي التي تحت سيادتها.

ويزعم فريدمان أنه توجد هنا فرصة هائلة، ومعظم دول العالم تعترف بذلك، وأن الوحيدين الذين يتمسكون بالطريق القديمة، يفعلون ذلك لأسباب التباهي والانتماء لهذا الطريق، على حد تعبير فريدمان.

وعلى الرغم من أن كل ما جاء في تصريحات فريدمان لا يستحق المناقشة، باعتباره لا يمت بصلة أبداً إلى الواقع، وإنما هو جزء من الأهداف الصهيونية التي يبدو إفراغ المنطقة من الشعب الفلسطيني، النقيض الفعلي ل«إسرائيل» أبرزها، وهو ما بدا واضحاً في تصريحات فريدمان الذي يحلم بأن يتحول الفلسطينيون إلى كنديين، والتخلص من هذا الشعب الفلسطيني، الذي ما برح يحارب المشروع الصهيوني منذ ولادته في عام 1897 على يد تيودور هرتزل وحتى يومنا هذا.

كما تدل تصريحات فريدمان على أن «إسرائيل» والقوى الداعمة لها، تقف وراء أغلب المشاريع والمؤامرات المساندة للهجرة الفلسطينية إلى أوروبا وكندا وغيرها من مناطق العالم، وأن ما جرى مؤخراً في التغريبة الفلسطينية الجديدة، عبر هجرات قسرية كبيرة لأبناء الشعب الفلسطيني، إلى الدول الأوروبية، بعد ما سمي ب«الربيع العربي»، ليس إلا حلقة من سلسلة المؤامرات هذه، طالما أن حلم فريدمان وغيره من قادة الحركة الصهيونية أو المؤيدين لهم، هو تحويل الشعب الفلسطيني إلى كنديين ضائعين في شتات المنافي البعيدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"