كتاب «لحظة الخليج» للدكتور عبد الخالق عبدالله

03:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم: عبدالغفار حسين

لم يُثِر كتاب خليجي كُتِبَ في الآونة الأخيرة ما أثارهُ كتاب الدكتور عبد الخالق عبدالله، الأستاذ في العلوم السياسية، «لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر» من جدل وحوار. والدكتور عبد الخالق أحد القلائل الذين يحملون درجة الأستاذية في علوم السياسة في الإمارات، وأحد أكثر الأساتذة الخليجيين نشاطاً في الأحاديث والكتابة والمحاضرات وعلى منصات التواصل الاجتماعي في منطقة الخليج وخارجها.

وبالرغم من أن الدكتور عبد الخالق كَتَبَ كُتُباً عديدةً منذ الثلث الأول من القرن الماضي، لكن هذا الكتاب الذي أعتقد أنه آخر كتاب أصدره (1) كان له صَدَاهُ، وكان له صيته في منطقه الخليج وبعض من أقطار العرب الأخرى أكثر من كتبه السابقة.

ولا أدري لماذا لم يُسَمِّ الكتاب «لحظة الخليج العربي» الذي عادةً ما يُصرّ الدكتور عبد الخالق على إضافة «العربي» إلى كلمة «الخليج» إيماناً منه لا يتضعضع، بأن الخليج بضفتيه العربي والفارسي هو خليج عربي وسكان الضفتين عرب أقحاح، شأن الدكتور عبد الخالق شأن الكثيرين من الكُتَّاب العرب، الذين يرون في هذه القُحِيَّة مأثرةً لا تُدانيها مأثرةٌ.

وربما أراد الدكتور عبد الخالق أن يتمكن كتابه من العبور إلى الضفة الشمالية للخليج، التي قد تؤذي أسماعها بشكلٍ أو بآخر الاسم العربي للخليج، لأن الإيرانيين يزعمون أن اسم الخليج هو «الخليج الفارسي» منذ القدم.

ومن يقرأ الكتاب «لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر» يُدرك بين ثنايا سطوره أن ما وصلت إليه مجموعة الدول الخليجية التي تُشكل مجلس التعاون الخليجي السِّتّ، من التقدم العمراني والبُنياني هو مثار وفخر واعتزاز لمواطني هذه الدول، وأن الخليجي كان يُنظَر إليه قبل أقل من نصف قرن من المواطن العربي أو من شقيقه العربي في أمصاره خارج البقعة الخليجية بأنه، أي الخليجي، ما زال في الحَلِّ والتَّرْحَالِ في الصحراء، وحتى بعد هذا التقدم نجد في الكتاب إشارات بين السطور إلى أن الاعتقاد عند البعض ما زال موجوداً بأن هذه البقاع ما انفَكت في مؤخرة القافلة.

وفي رأيي أنه ليس صحيحاً كل ما يقوله كتاب «لحظة الخليج» من تحقيق الدول الخليجية لهذا العمران الهائل اعتماداً على أنفسها وحدها، بل هناك من الإخوة العرب من كان مساهماً فعالاً في ميادين كثيرة تتعلق بهذه الصفة العمرانية والتعليمية والاجتماعية، التي يُشير إليها الكتاب. ومن الإنصاف أن نذكُر أن الكتاب لا يخلو من مثل هذه الإشادة، لكنها في غالب الأحيان إشادة عابرة يخفيها الاعتزاز المفرط بالنفس، الذي يشارك مؤلف الكتاب فيه الكثيرين من أهل الخليج. وفي رأيي أننا إذا تحدثنا عن مساهمات الآخرين في هذه النهضة الخليجية فإننا لا ننسى أفراداً كثيرين من مجتمعات أخرى، أوروبية وآسيوية، لم يألوا جهداً ولم يدخروه في هذه المساهمة، والدليل هو هذه الحشود الكثيرة من هؤلاء الموجودين في الساحة، الذين كان الراديكاليون من الخليجيين وغيرهم من العرب في النصف الثاني من القرن الماضي يرون فيهم خطراً محدقاً سوف ينهي الوجود العربي في الخليج، وذلك من خلال نظرة هؤلاء الراديكاليين القصيرة إلى الأمور على الدوام.

ومما يلاحظه القارئ لكتاب «لحظة الخليج» أن الدكتور عبد الخالق عبدالله الداعية الليبرالي والأستاذ المُنَاظِر، الذي كان لا يُشَقّ له غُبار إذا دخل في الجَدَل السياسي حول الليبرالية، أصبح في كتابه هذا وفي طرحه في مناسبات كثيرة هذه الأيام، يرى أن التطور السياسي والتعددية السياسية والإدارية شيء يلي التطور العمراني والازدهار الاقتصادي والاجتماعي خطوة وراء أخرى، وأن ما حصل من تغييرات اجتماعية وسياسية في دول عربية نتيجة العنف والمصادمات لم تكن ناجحة، ولن تكون مضمونة العواقب، وهذا ما كان يؤمن به المعتدلون في الخليج وفي العالم العربي، وأثمر إيمانهم هذا عما نراه وما يراه الغير من ازدهار ونهضة في كل مجال من مجالات الحياة.

وفي الحقيقة، فإن كتاب «لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر» يستحق أن يُقرأ أكثر من مرة، وتتخذ منه دروس وعِظات للجيل الجديد من الشباب في الإمارات بصفة خاصة، وفي الخليج والعالم العربي بصفة عامة. وقد أثبت مؤلف الكتاب الدكتور عبد الخالق عبدالله، أنه مَثل حسن يُضرب به كمثقف عميق الغور من رِجَالات الخليج والعالم العربي، الذين يُشار إلى أسمائهم بالبنان، إذا ذُكروا في المحافل الفكرية والثقافية.

(1) - سنة النشر 2018.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"