عادي

وضع اليابان المتناقض في زمن كورونا

03:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
وليام أوديرو *

ثمة تشبع فعلي في طاقة المستشفيات، حيث تم رفض مرضى وإلغاء عمليات لمصابين بالسرطان.

عندما نستطلع الوضع الصحي في اليابان في زمن كورونا، نجد أن عدد الحالات المصابة المعلن عنها قليل، لكن المستشفيات مشبعة، وتجاوزت ربما الذروة. أما المدارس فهي مغلقة، والحجر الوطني حسب الطلب.. وهناك كثير من الإشارات المتناقضة التي تترك المرء في حيرة.

ولنا بعد ذلك أن نتساءل: هل اليابان دولة نموذجية، أم إنها دولة تعيش حالة اضطراب؟ ويبدو أن اليابان في مواجهة كورونا، تعيش وجهين متعارضين. فمن ناحية، تبدو الأرقام منخفضة (حوالي 16000 حالة، وهناك حوالي 700 حالة وفاة)، والنمو على مستوى الأقاليم بطيء، وخطة احتواء الفيروس طوعية وبسيطة. ومن ناحية أخرى، تم الإبلاغ عن تمديد محتمل لحالة الطوارئ حتى نهاية مايو، وتتحدث وسائل الإعلام المحلية عن امتلاء المستشفيات وعن إغلاق المدارس.

وتشهد البلاد انخفاضاً منذ بلوغ الذروة، التي وصلت إليها في 12 أبريل الماضي. وتشير سيسيل أسانوما برايس، الباحثة في قسم الجغرافيا الاجتماعية وعلم الاجتماع، الباحثة المشاركة في مركز البحوث في اليابان، إلى «أن عدد المصابين ينخفض ​​بشكل واضح إلى حد ما، يومياً».

ولكن مع ذلك، يرى برنارد تومان، مدير المعهد الفرنسي للأبحاث حول اليابان في البيت الفرنسي الياباني، أن القلق الكبير هو رد فعل السكان خلال الأسبوع الذهبي، وهو عطلة تمتد لأسبوع في مايو، حيث تحدث عمليات تنقل واسعة عبر البلاد، والخوف هو من انتشار الوباء في المناطق التي لم تتأثر حتى الآن.

والواقع أن هذا الأمر يتطلب الحذر الشديد، حيث يتم إجراء 6000 اختبار فقط كل يوم، وقد عارضت الحكومة حتى الآن، سياسة الاختبار المنهجي.

ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن البلاد تمتلك أعلى نسبة من أسرة المستشفيات للفرد في العالم (12 لكل 1000 نسمة، مقارنة ب6 فقط في فرنسا). ومع ذلك، فعلى الرغم من العدد القليل من الحالات، فإن المستشفيات مكتظة.

ويرجع الخلل إلى النقص في الأطباء، وقلة عدد الأسرّة المجهزة بمعدات التنفس،

والنتيجة أن ثمة تشبعاً فعلياً في طاقة المستشفيات منذ منتصف أبريل، حيث تم رفض مرضى، وإلغاء عمليات لمصابين بالسرطان. وهناك خوف من أن النظام الطبي تراجع كثيراً، مقارنة مع البلدان الأخرى المتقدمة.

سيسيل أسانوما برايس، ترى أن السبب الأول هو أن اليابان يجب أن تدفع تكلفة تأجيل الألعاب الأولمبية، وأنه كان من الصعب التفكير في وضع البلد بأكمله في حالة سبات اقتصادي لمدة غير محدودة، والسبب الثاني يأتي من حقيقة أن المقاطعات الإدارية لديها، من وجهة النظر التشريعية، استقلالية معينة، وبالتالي لا يمكن للحكومة أن تفرض عليها تباعداً جسدياً بشكل قانوني، خاصة أن اليابان تركز بشكل أساسي على روح التعاون والمواطنة الصالحة.

والحقيقة أن الانتقال إلى إجراءات أكثر صرامة في اليابان، لا يدل فقط على تطور الوباء؛ بل يستجيب لتحليل الوضع في أوروبا والخوف من انفجار مفاجئ لا تمكن السيطرة عليه في عدد الحالات، حيث تشير بعض التقديرات إلى إمكانية وفاة 400000 شخص إذا حدث ذلك في اليابان.

وعلى الرغم من التركيبة السكانية المسنة، والكثافة السكانية في المدن الضخمة، وكثرة المتنقلين في أكثر مترو أنفاق ازدحاماً في العالم، تعتبر اليابان بالبداهة ضعيفة بشكل خاص، ويبدو أنها تجنبت الأسوأ في الوقت الحالي. وتشير سيسيل أسانوما برايس، إلى أن ارتداء القناع، متجذر تماماً في العادات والتباعد الثقافي والجسدي والنظافة، والعديد من الناس يرتدون أقنعة عندما يصابون بالبرد أو الإنفلونزا. ويُنظر إلى الشخص الذي يتنشق في مترو الأنفاق دون ارتداء القناع على أنه لا يلبي معايير الحضارة اليابانية.

وفي وسائل النقل العام، يتم تطهير المنحدرات والشوارع بانتظام.

ويرى برنارد تومان، أنها أحد مظاهر التراث التاريخي للدولة القومية اليابانية، التي ولدت في القرن التاسع عشر، وكانت في تواصل بربري مع القوى التجارية الغربية وأمراضها الجديدة (الكوليرا والطاعون والسل). فمنذ البداية، شعرت الحكومة أن بناء دولة حديثة ليس فقط مجرد دفاع عسكري، ولكن أيضاً دفاع ضد الجراثيم الخارجية.

* صحفي فرنسي يكتب في لوموند، متخصص في الشؤون اليابانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"