السياسة واقتصادات الظل

02:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

تحليل مؤشرات التنمية لا تتطرق، في معظمها، إلى الدور الهدّام لاقتصادات الظل غير المشروعة، وغير المراقبة

ترتبط التنمية بشكل رئيسي في أي بلد من بلدان العالم بالنظام الاقتصادي القائم، ويشكل جدل السياسة والاقتصاد في صيرورته التاريخية الإمكانية الواقعية لتحقيق موارد مالية وبشرية، يمكن أن تكون، كمياً ونوعياً، إما رافعة للتنمية أو معيقة لها، وبما يخص بلدان العالم العربي فهي تاريخياً اقتصادات ذات طابع محلي، كانت تعتمد بالأساس على الزراعة، التي تشكل حتى يومنا هذا جزءاً لا بأس به من منظومة الاقتصادات العربية، وتصل مساهمتها في معظم البلدان العربية الزراعية إلى نحو 25% من الناتج القومي.

عانت، ولا تزال، الدول العربية غير النفطية، تعثّراً دائماً في عمليات التنمية، على الرغم من وجود ثروات أخرى، أو قطاعات أخرى لا تقل أهمية، كقطاعي السياحة والخدمات، لكن ما بقي خارج الاهتمام التحليلي هو العلاقة بين النظام السياسي والاقتصاد الطبيعي، ونقصد هنا اقتصاد السوق، القائم على العرض والطلب، مع حد أدنى من تدخل السياسات الحكومية، فمشكلة معظم الأنظمة السياسية في العالم العربي هي عدم وجود فصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، وفي الجانب التنفيذي هناك خلل في القوانين الضريبية من جهة، ومن جهة ثانية هناك خلل في عمليات إنفاذ القوانين الضريبية.

إن النواتج القومية لعدد مهم من الدول العربية لا تعكس الحقائق الفعلية، كما أن تحليل مؤشرات التنمية لا تتطرق، في معظمها، إلى الدور الهدّام لاقتصادات الظل غير المشروعة، وغير المراقبة، والتي يتهرب أصحابها من دفع ما يترتب على أنشطتهم من مستحقات ضريبية فعلية.

لقد كشفت معظم التحليلات التي تناولت الدول العربية التي دخلت في حروب وأزمات خلال العقد الأخير عن خلل كبير في جوانب سياسية واجتماعية عديدة؛ لكن معظم تلك التحليلات لم يذهب إلى تحليل دور اقتصاد الظل في تنامي أزمات تلك الدول، وإعاقته لنمو اقتصاد السوق، الذي يسهم عبر أدواته الرئيسية في تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وأن يفرز مع الوقت هياكل مجتمع مدني وطنية، تكون صمام أمان لجميع العاملين في القطاعات الاقتصادية، مهما كانت مواقعهم في الدورة الاقتصادية.

في معظم دول العالم هناك اقتصاد ظل، لكن حجم هذا الاقتصاد والأنشطة التي يعمل فيها، يختلفان من دولة إلى أخرى، ويكاد هذا الاقتصاد أن يكون هامشياً وغير مؤثر في البلدان الصناعية، والتي تعرف حياة سياسية قائمة على الديمقراطية؛ وحيث يوجد إنفاذ صارم للقوانين، ويزداد هذا الاقتصاد في البلدان التي تحتكر فيها السلطات التنفيذية الحكم، وحيث لا يوجد تنافس ديمقراطي على السلطة، وبالتالي فإن النمط السياسي/ الاقتصادي هو المحدد الرئيسي لقوة الاقتصاد الطبيعي، أو لضعفه، لمصلحة اقتصاد الظل، والذي يتمظهر بشكل أنشطة غير مشروعة.

نمو حجم اقتصاد الظل في معظم العالم العربي، يعكس غياب الجدية في النظر إلى مكامن الخلل الحقيقية في عمليات التنمية؛ إذ إن أنشطة اقتصاد الظل تعيد إنتاجه، وتزيد من تموضعه أفقياً وعمودياً، في هياكل المؤسسات وفي المجتمع؛ بل إن هذا النمط الاقتصادي أعاق، ولا يزال، نمو القطاع الصناعي، لمصلحة القطاعات الخدمية، ذات العوائد السريعة وغير الخاضعة للمراقبة، والتي لا تحتاج إلى تراكم في الخبرات ورؤوس الأموال، كما في القطاع الصناعي، الذي يحتاج إلى استثمارات كبيرة، وجهد مستدام.

مجمل الصناعات العربية، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي شهده العالم، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة، هي صناعات خفيفة، تقدم منتوجات قابلة للتسويق في الإطار المحلي؛ لكنها لا تستطيع الصمود في المنافسة أمام مثيلاتها المنتجة في الدول المتقدمة، وليست المسألة مرهونة بغياب الكفاءات البشرية؛ بل لأن الاستثمار فيها يتطلب من جهة تقليص أنشطة اقتصاد الظل، ومن جهة أخرى إعادة برمجة النظام السياسي للقيام بخطط تنمية مستدامة، وتحديث هياكله، وتشريعاته، وإيجاد آليات لإنفاذ القوانين الضريبية؛ بحيث لا يتم حرمان الخزينة العامة من أموال طائلة، يمكن استثمارها في المشاريع العامة، ما يساعد في ردم الهوة بين الطبقات الاجتماعية؛ لتأمين استقرار اجتماعي حقيقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"