مخرجات رمضانية

05:11 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله محمد السبب

كعادته، شهر رمضان، بنبله وطيب ذكرياته، يأتي كل عام، في موعد ضُرب له منذ نشأة البشرية وحتى آخر عهد في تاريخ الدنيا.. يأتي، بجوده وجودته وجدية رسالته.. يأتي، متفقداً أحوال المسلمين من أغنياء وفقراء، ومن أرامل ويتامى ومساكين وعابري سبيل، ومن أسرٍ متعففة لا تسأل الناس إلحافاً.
كعادته، في كل عام، يُقرؤنا أشواق آيات كتاب الله «سبحانه وتعالى»، وتحيات مساجد يذكر فيها اسمه «جل وعلا» في كل أرجاء المعمورة العالمية.. ومتفقداً أحوال أرواحنا اطمئناناً، فيما إذا كانت متعلقة بصلوات تُرَوِّحُ عن أنفسنا وأنفاسنا، أم مستسلمة لعَرض الدنيا ولغو الحديث.
وكعادتنا وتقاليد بلادنا، في كل موسم رمضاني، نستعيد ذكرياتنا، وحكايات آبائنا وأمهاتنا، أجدادنا وجداتنا، مقتفين آثار ممارساتهم التعاونية مع الأهل والأنساب والأصحاب والخلان والجيران.. في الصِّلات والصلوات، وفي التزاور والتآزر، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي شغل الليالي بالعبادات والعادات العائدة بالنفع على العباد والبلاد، وعلى الأولاد؛ بما يرسخ لديهم أركان الإيمان، وبما يُحَفِّزُ فيهم مَلَكَة الصبر ويدخلهم في تجربة الصوم وبما يُسرِّي عنهم بسرد الحكايات الطائرات بهم في عالم التخيل والتحليل والتحلي بالصفات الصافيات، وإطلاق أجسادهم وأذهانهم وأرواحهم في عالم من الألعاب المسائية المتحررة من سُلطة الشياطين وسطوة الخوف.
كعادته، يأتي رمضان كل عام وفق مقتضيات ظروف الحياة الدنيا، وما يترتب عليها من نتائج تنعكس إيجاباً أو سلباً على البشرية جمعاء.. وأتى هذا العام وفق مقتضيات ظروف بيئية وصحية عالمية مختلفة عن أعوام عالمية عامة مضت في حال سبيلها، مصطحبة معها نتائج تواجدها في تلك الحقب الزمنية المتتابعة على أمكنة متفرقة من الجغرافيا العالمية.. فظروف هذا الموسم الرمضاني، تطلبت امتثال الشعوب للتعليمات الهادفة إلى البقاء في البيوت احترازاً من نتائج وخيمة قد يتسبب فيها «الفيروس الوبائي الكوروني» الشاغل للدنيا، والمتربص بكل الأصناف البشرية.
وأتى رمضان هذا العام على أمم العالم وقد أخذت شعوبها تمارس عادات وتقاليد جديدة وفق مقتضيات ظروف بلدانها.. وهنا، في بلد كدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أخذ سُكّانها على عاتقهم البقاء في منازلهم وممارسة حياتهم بطرق وأساليب متعددة ومختلفة على اختلاف عادات وتوجهات كل أسرة وكل فرد على حدة.. فهذا البقاء الاحترازي في البيوت، نجم عنه عدة مخرجات إيجابية، من بينها: قيام الأسر بخلوات اجتماعية جسدية وروحية ومعنوية أتاحت الفرص لأفرادها بالشد من أزر بعضهم البعض وبإطلاق اللُحمة الاجتماعية لإعادة سَيْرِ حياتهم الأُسرية بالتعبير عن أفكارهم بما يعيد برمجة خططهم الحياتية، وترتيب أولوياتهم الاجتماعية وفق ما تم تحصيله من مكتسبات الماضي، وما آلت إليه ظروف الحاضر، بما سوف ينعكس على مستقبل الأيام من نتائج محتملة وتطلعات مأمولة.
أتى رمضان، وها هو يلملم نفسه استعداداً للعودة من حيث أتى.. حاملاً معه حقيبة كل عام وقد امتلأت بسجلات العباد وصحائفهم.. نسأل الله العفو والعافية، والرحمة والمغفرة والعتق من النيران.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"