عقوبات أوروبية تنتظر خطة الضم «الإسرائيلية»

03:19 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

ميز الاتحاد الأوروبي نفسه، في كل ما يتعلق بالشرعية الدولية والموقف من الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، عن الولايات المتحدة التي ناصرت الكيان، وشجعته على مدى السنين. وأبدى الاتحاد معارضة واضحة وصريحة للاستيطان وخطوات الضم التي يرمي الاحتلال إليها والتي تعاظمت في الأعوام الأخيرة وخصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة.
انتقل الموقف الأوروبي من الضم، من التحذير إلى التهديد؛ بعدما اقترب موعد الضم من التنفيذ، إثر إعلان الإدارة الأمريكية عن «صفقة القرن» التي وفرت الضوء الأخضر لمحاولات الضم غير الشرعي للأراضي العربية المحتلة.


الضم والحل السياسي


يؤمن الاتحاد الأوروبي أن ضم أراض فلسطينية، وخصوصاً إذا تمت خارج المفاوضات، يقضي على فرص التوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين. ومعروف أن نوايا الضم الصهيونية للأراضي المحتلة؛ ترمي إلى تقاسم ما يعرف بالمنطقة «ج» وفق اتفاقات أوسلو والتي تضم نحو 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ويتذرع الكيان و«صفقة القرن» بأن الضم هو تأكيد لأمر واقع قائم على الأرض؛ جرّاء انتشار الاستيطان في غور الأردن والكتل الاستيطانية. وتعاظمت الرغبة الصهيونية في ضم هذه الأراضي بعدما اعترفت الإدارة الأمريكية بالسيادة الصهيونية على القدس المحتلة.
وطوال الوقت رفض الاتحاد الأوروبي الموقف الصهيوني والتشجيع الأمريكي، وحذر من أن هذه وصفة لتخليد الصراع ومنع إيجاد حل سياسي ودولة فلسطينية قابلة للحياة.
وتقريباً منذ العام الفائت والأصوات الأوروبية، ترتفع لمنع عملية الضم الرسمي للأراضي المحتلة التي ينوي الاحتلال ضمها. وقد سبق ارتفاع الصوت اتخاذ إجراءات ضد المستوطنات ومنتجاتها؛ تمثلت في قرارات وقوانين سُنت؛ لمنع تكريسها كأمر واقع. وعمد الاتحاد الأوروبي حتى إلى تمييز نفسه عن الإدارة الأمريكية في هذا الموقف؛ عبر تأييده لتوصيات المحكمة الدولية ولتحركات المحكمة الجنائية الدولية. وهذا ما زاد من غضب كل من الكيان والإدارة الأمريكية تجاه هذه المواقف.
وعلى الرغم من الاختلافات القائمة في مواقف دول الاتحاد الأوروبي من الإدارة الأمريكية والكيان، فإنها جميعاً تتفق حول ضرورة المحافظة على القانون الدولي وعدم انتهاكه. ولم تغير هذه الدول موقفها المبدئي هذا، على الرغم من شدة الضغوط التي مارسها الكيان والإدارة الأمريكية عليها. وهذا ما دفع العديد من المعلقين الصهاينة للتحذير من أن الضم سيقود إلى عقوبات أوروبية مؤكدة يصعب على الكيان التعايش معها.


مواقف أكثر حسماً


في كل حال ظل الموقف الفرنسي المتوافق مع كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا حيال الضم عنصراً حاسماً في ترسيخ المعارضة للاستيطان والضم، فإن دولاً أخرى أقل وزناً في الاتحاد، وخصوصاً أيرلندا ولوكسمبورج وبلجيكا، شكلت طوال الوقت حافزاً على مواقف أكثر تمسكاً بالشرعية الدولية.
وحاولت الدول الثلاث الأخيرة مراراً دفع الاتحاد الأوروبي لتبني مواقف أشد صرامة من الكيان وسلوكاته. وطالبت هذه الدول مفوضية السياسة الخارجية للاتحاد بتحديد الخطوات العقابية الواجب على الاتحاد اتخاذها في حال قرر الكيان القيام بضم أراضٍ فلسطينية جديدة.
ولا بد من الإشارة إلى أن تهديدات الاتحاد الأوروبي للكيان ليست فارغة. فالاتحاد هو الشريك التجاري الأكبر للكيان وهو الداعم الثاني الأكبر في الحجم بعد الإدارة الأمريكية للمشاريع العلمية والبحثية فيه. ويكفي التذكير هنا بعملية لي الذراع التي أقدم الاتحاد عليها قبل ست سنوات؛ عندما فرض على الكيان القبول بتمييز حدود «الخط الأخضر» وإخراج المستوطنات من دائرة التعامل مع مشروع «هورايزن 2020» وهو برنامج البحث والابتكار بقيمة 80 مليار يورو.
وأعلن مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل أن «صفقة القرن» حادت عن «المعايير المتفق عليها دولياً» وأن ضم الأراضي الفلسطينية، إذا تم، «لا يمكن أن يمر من دون اعتراض». وليس بوريل الوحيد الذي يقف هذا الموقف؛ بل إن بريطانيا التي تناصر الإدارة الأمريكية والكيان أعلنت على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية، جيمس كليفرلي، أنها لن تعترف بضم «إسرائيل» لأجزاء من الضفة الغربية، على خلفية الخطة الأمريكية للسلام.


رفض الخطط الصهيوينة


وعند الإعلان الأمريكي عن «صفقة القرن» أعلنت خمس دول أوروبية أعضاء في مجلس الأمن وقتها رفضها للرؤية الأمريكية وتأكيدها أن «كلّ نشاط استيطاني هو غير قانونيّ بموجب القانون الدولي، ويُقوّض قابليّة حلّ الدولتين وأفق السلام الدائم». ودعت هذه الدول، الكيان إلى «وقف كلّ الأنشطة الاستيطانيّة». وبعدها أعلنت 25 دولة عضو في الاتحاد رفضها لخطط الضم الصهيونية، وحث مفوض السياسة الخارجية، الحكومة الصهيونية الجديدة على التخلي عن خطط الضم. وجاء في بيانه باسم 25 دولة حث الكيان «على الامتناع عن أي قرار أحادي من شأنه أن يؤدي إلى ضم أية أرض فلسطينية محتلة، وهو الأمر الذي يشكل خرقاً للقانون الدولي». وأعلن وزير خارجية لوكسمبورج، يان أسيلبورن عن سروره لأن 25 دولة في الاتحاد دعمت مبادرته التي أطلقها بالشراكة مع زميله الأيرلندي سيمون كوفيني بشأن الاستيطان والضم. وأضاف: إن الاتحاد الأوروبي بإعلانه هذا وضع نفسه في «وضع وقائي»، مؤكداً أنه إذا ضم الكيان لغور الأردن «فإنني لا أرى أي اختلاف مع ما فعلته روسيا مع شبه جزيرة القرم».
وكرر متحدث باسم المفوضية الأوروبية تفسير إعلان هذه الدول بقوله أنه «يُذكِّر بمواقف الاتحاد الأوروبي المتعلقة بضرورة احترام القانون الدولي ودعم حل الدولتين؛ بحيث تكون القدس عاصمة الدولتين المستقبلية، والسبيل الوحيد لضمان السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة».
وتطالب جهات برلمانية أوروبية مختلفة باتخاذ مواقف أشد ضد الانتهاكات الصهيونية للقانون الدولي كما تدعو لفرض عقوبات؛ لكن من الواضح أن ثمة فارقاً بين حشد تأييد أوروبي لموقف سياسي واتخاذ إجراءات فعلية كالعقوبات. وهذا ما بدا واضحاً في الموقف من وسم بضائع المستوطنات الصهيونية والذي حسم في نهاية المطاف بقرار من المحكمة العليا الأوروبية.


هل تفرض عقوبات؟


ويعترف مفوض الاتحاد جوزيب بوريل أن الاتحاد يخشى من الوصول إلى نقطة اتخاذ العقوبات؛ لأن المواقف داخل الاتحاد جد مختلف. ويعرف كثيرون أن العقوبات الأوروبية، إذا ما فرضت، ستكون مؤثرة نظراً للعديد من الاتفاقات الثنائية المهمة مع دول الاتحاد وإمكانية تعليق التعاون العلمي وإلغاء التعاملات التفضيلية مع المنتجات الصهيونية.
وبدهي أن هذا ما يقلق الصهاينة؛ حيث يرى المعلقون أن مفوض خارجية الاتحاد يقود تحركاً يرمي إلى فرض عقوبات على الكيان في حال إقرار الضم وأن هذه العقوبات مؤذية.
وأشارت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو إلى أن «تل أبيب» متخوفة من إلغاء اتفاقية الشراكة التجارية ومن احتمال استبعادها من برنامج «هورايزن 2027» العلمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"