هونج كونج بعد «كورونا»

03:45 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

أصبحت التطورات الجارية في منطقة هونج كونج، حلبة جديدة للصراع بين بكين وواشنطن، بعدما تبنى البرلمان الصيني تشريعاً للأمن القومي، يقول مقدموه إنه يهدف للتصدي للميول الانفصالية والتآمر والإرهاب والتدخل الخارجي، بينما يعتبره معارضوه نهاية للحكم الذاتي للمدينة منذ استقلالها عن الوصاية البريطانية قبل 23 عاماً، وسقوط قاعدة «بلد واحد ونظامان».

الأزمة الجارية في هونج كونج ظلت تتفاعل على مدى الأشهر الماضية وتخللتها صدامات عنيفة وإضرابات واعتقالات طالت مئات النشطاء. وكانت فرصة سانحة اتخذتها السياسة الأمريكية ورقة للضغط على الصين، إلى جانب قضايا أخرى منها السجال حول شركة «هواوي»، والخلاف حول «البحر الجنوبي» و«اتفاق التجارة»، حتى داهمت جائحة «كورونا» العالم أجمع لتضع الصين مجدداً في دائرة الاتهامات الأمريكية، بذريعة عدم تعاملها الشفاف مع الفيروس. وهكذا تتمادى الخلافات وتتراكم معها صواعق الصراع، دون أن تلوح بارقة في الأفق تشير إلى أن هاتين القوتين العظميين تقتربان من الحوار، فيما تتصاعد نذر «حرب باردة» جديدة بين الدولتين، تقول أهون التحذيرات إن العالم لن يتحملها في ضوء الانهيار الاقتصادي الكبير، والخسائر المتفاقمة وانعدام الثقة الذي يلبد الأجواء الدولية.

في الأيام الماضية بلغت لهجة التصعيد درجة عالية من الحدة، بناء على بعض التصريحات والمواقف غير المسبوقة، فمن جهة يقول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إن القانون الصيني أفقد هونج كونج استقلالها الذاتي، ويعتزم رئيسه دونالد ترامب اللجوء إلى «سلاحه المفضل» بفرض عقوبات على مسؤولين صينيين. وبالمقابل، يتهم سفير بكين في مجلس الأمن، واشنطن، بإثارة المشاكل في العالم وانتهاك التزاماتها بموجب القانون الدولي، ودعاها إلى التوقف فوراً عن سياسة القوة وممارسات التنمر. أما أشد الدلالات خطورة، فما ورد على لسان الرئيس الصيني شي جين بينج، عندما طالب جيش بلاده بضرورة مواصلة تدريباته وجاهزيته القتالية في ظل تفشي جائحة كورونا حول العالم.

كل هذه الإشارات وما سبقها لا يمكن أن تبعث على الاطمئنان، وربما سيكون أصحاب النظريات التي تتحدث عن صراع أمريكي صيني عنيف عقب أزمة فيروس كورونا، على حق هذه المرة، إذا لم تتغلب دواعي الحكمة والتعقل على نوازع التهور وتهديد السلام العالمي.

وقد تكون أزمة هونج هي نقطة الصدام، في ظل التشدد الصيني في رفض أي تدخل خارجي أو تحريض على التظاهر وشيطنة إجراءات بكين، إضافة إلى الحساسية المفرطة تجاه كل ما يصدر عن الإدارة الأمريكية من مواقف وبيانات وخطوات وتصورات، لا سيما بعد السجال الدائر حول فيروس كورونا ومحاولات تسييسه، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من أخطاء في الحسابات والتقديرات.

الوضع الراهن امتحان جديد يواجهه العالم، وأكثر ما تجب خشيته، هو أن يكون كل ما جرى تهيئة وتمهيداً لجولات أخرى من تناحر القوى، ففي الأزمات الخانقة يمكن أن ينفلت العقل من ضوابطه، وأي تجاوز غير مدروس للخطوط الحمراء، ستكون عاقبته وخيمة وتبعاته فادحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"