تطرح في الفضاء الثقافي العربي، أسئلة عدة عن جدلية اللغة العربية الفصحى في مقابل اللهجة المحكية، ولعل الدول العربية من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج، تفيض بلهجات لا حصر لها، وعلى الرغم من ذلك تنتشر العربية في أصقاع هذه البلدان، على نحو يبرز هيبتها، وسطوتها، بما يؤكد تطورها، وفاعليتها خاصة في المدارس، والمعاهد، والأكاديميات، وفي النشاطات الأدبية والمؤتمرات الثقافية بعامة.
هل ثمة خوف على العربية من اللهجة المحكية؟ كثير من الدارسين لا يبررون هذا الخوف، ولا يعيرونه اهتماماً، ولسان حالهم يقول: «العربية لغة القرآن» تكفل الله تعالى بها وحفظها، ولا خوف عليها من رطانة أو عجمة أو لغو، وستستمر لغة بهيجة ساطعة، ذلك أنها تتميز عن غيرها من لغات العالم بمرونة عالية، تضيف من رصيدها، ورصيد «المحكية» العربية، مقارنة مع المحكيات أو اللهجات العالمية.
الدلائل تشير إلى تفوق العربية، مع وجود المحكية أو العامية، خاصة في الصنف الأدبي الأشهر وهو الشعر، والدراسات ذاتها تشير إلى أن الجمع بين الاثنتين (الفصيحة والعامية) لا يضير أياً منهما، شرط أن يكون فضاء التعبير الأدبي، وافراً باللغة من حيث فصاحتها، وقدرتها على التعبير، والتأويل والتكثيف والتصوير، وربما يبرز هنا، الشعر على وجه الخصوص، وأصحاب مدرسة الشعر، يؤكدون دائماً قدرته الهائلة على التخييل، وتقديم صور ناصعة الجمال، تثري اللغة، وتحول دون غربتها أو ضعفها وربما انحدارها.
والدور الذي يقوم به الشعر بشهادة المختصين والنقاد، قادر وبكل تأكيد على الحفاظ على اللغة، وما تجترحه من حكمة وكلمة جميلة.
غير أن فضاء التعبير الأدبي اليوم، قد انفتح أيضاً على فضاء أدبي آخر، فقد برزت الرواية وتصدرت المشهد الثقافي العربي، وهو إنجاز يضاف إلى رصيد اللغة، رصيد يغذيها، لأنه يفتح شهية المستمع والقارئ على عبقرية السرد، بلغة عربية انفتحت على الأسطورة والحكاية والشعر.. وقد كان السرد حتى في التراث العربي، لصيقاً بعبقرية النثر، والخطابة، والحكمة، واستمر إلى جانب الشعر ضيفاً مرحباً به يرعى الحكاية ويفجر معانيها في القلوب والأسماع والعقل والوجدان.
وأنت لا تستطيع أن تنزع العربي من لهجته، فالشامي يتحدث بالفصيحة في المدرسة والجامعة؛ وحيث استدعى الموقف ذلك، ويتحدث بلهجته في البيت ومع أصدقائه، وكذلك الخليجي والمصري والمغربي، وطالما كان الأمر كذلك، فإن دعاوى ضياع العربية لم تعد مقبولة، باستثناء ما أكدته الدراسات من ضرورة حرص الدول على تشجيع النشء للحفاظ على العربية، وهو الذي يتطلب تعزيز النشاط الفكري والبحث العلمي معاً، وأيضاً الانفتاح على ثقافات العالم.
خبراء اللغة يؤكدون أن اللهجات العربية قديماً، كانت قريبة من الفصحى في خصائصها ومميزاتها، بخلاف بعض الفوارق الصوتية، وصحيح أنها اختلفت اليوم مع اختلاطها مع لهجات أخرى، غير أنها تتطور بتطور المدينة، فلا يعود الفرق بينها وبين الفصيحة كبيراً أو حاداً.
عثمان حسن
مقالات أخرى للكاتب
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
قد يعجبك ايضا
![](/sites/default/files/2024-08/6198919.jpeg)
![1](/sites/default/files/2024-08/0_166.jpg)
![](/sites/default/files/2024-08/6198916.jpeg)
![عمال إنقاذ صينيون يعبرون نهراً للوصول إلى منطقة متضررة من الفيضانات في زيشينغ بمقاطعة هونان وسط الصين (أ.ف.ب)](/sites/default/files/2024-08/6198913.jpeg)
![ض](/sites/default/files/2024-08/2_0.jpg)
![فلسطينيون في احتجاج برام الله بعد اغتيال هنية في طهران (رويترز)](/sites/default/files/2024-08/6198907.jpeg)
![3 3](/sites/default/files/2024-08/6198902.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-08/6198890.jpeg)