عقلانية أوروبا والصين

03:59 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

عندما يقول وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: إن بروكسل لا تنوي الدخول في «حرب باردة» مع بكين، يعني ذلك أن هذه الحرب محتملة، إن لم تكن قد بدأت فعلاً، على الأقل، بين الصين والولايات المتحدة اللتين تكيلان لبعضهما الاتهامات اليومية والتصريحات الساخرة حول قضايا عديدة، وهي قطعاً لم تبدأ مع أزمة وباء كورونا ولن تنتهي عند أحداث هونج كونج أو فضيحة وفاة جورج فلويد.

أوروبا، التي تقف على موروث مديد من الحروب والكوارث وإدارة الأزمات والتعايش معها، تعرف قبل غيرها أن هذه المرحلة من التاريخ هي فاصل زمني بين حقبة مضت وانتهت وتالية تتبلور وتتشكل، وفق رؤى جديدة وحسابات مستجدة وقوى متحفزة وأخرى مستنفرة. وفي هذا السياق يأتي تصريح بوريل المتوقع والمسؤول. ومن أهم دوافعه أن أوروبا التي كانت ساحة الرئيسية للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، لا ترغب في أن تعيش التجربة مرة أخرى، بل تريد أن تكون «محايدة» قدر الإمكان، إذا اندفعت بكين وواشنطن في صراع متعدد الوجوه، في ظل معطيات كثيرة تشير إلى أن أوروبا ستكون أحد الميادين الطبيعية لهذا الصراع، خصوصاً إذا انحازت بعض دولها إلى هذا الطرف أو ذاك، وإن كان الحليف الأمريكي أقرب من الصين، بالنظر إلى التاريخ المشترك والهوية الحضارية المتشابكة.

منذ بدأت جائحة فيروس كورونا، كانت الأصوات الأوروبية، الأكثر واقعية ومصداقية، في التنبيه إلى أن التوازنات الدولية ما بعد الجائحة لن تكون كما قبلها. وقد أفصح عن ذلك زعماء من أمثال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، وهم يمثلون الماكينة السياسية الاقتصادية لأوروبا بعد خروج بريطانيا، وربما التقطوا، قبل غيرهم، الإشارات الموحية بأن التغيير بدأ، وأن الحكمة تتطلب استيعابه ومجاراته والتعايش معه، وليس مواجهته والتمرد على الحتمية التاريخية. وواضح أن هذه الرؤية الواقعية تتعارض مع نهج أمريكي لم يستوعب أن المعادلات تغيرت وتتجه إلى انقلاب جذري يشمل كل القواعد التي حكمت العلاقات الدولية منذ ما يقارب القرن.

يؤمن الأوروبيون بالقول المأثور «إذا لم تستطع قهر خصومك فتسلح بالحيلة»، بكل ما يعنيه ذلك من التزام بالعقلانية وحذر من التهور. وفي أتون الأزمات تتبين المعايير في السياسات. وإذا كانت الخشية الأمريكية من الصين مشروعة للاعتبارات المعلومة، فإن الواقع على الأرض يفرض البحث عن مقاربة جديدة تعتمدها واشنطن في التعامل مع خصومها وفي صدارتهم بكين. أما التعويل على أساليب ما قبل كورونا فلم تعد تجدي نفعاً. ويبدو أن زعماء الصين قد استعدوا جيداً لهذا الوضع ويديرون الصراع بدهاء منقطع النظير. وبينما مازالت أوروبا والولايات المتحدة ترزحان تحت وطأة كورونا، تتعافى الصين بسرعة. ويبدو أن المستقبل مفتوح على عهد من الإثارة والتناحر والسير، لفترة قد تطول أو تقصر، على حافة الهاوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"