غمزة روسية لأمريكا

03:09 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

من المرات النادرة التي يعلّق فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أحداث مثيرة للجدل في بلد مثل الولايات المتحدة توجد بينها وبين بلاده حساسيات وحسابات كثيرة. فقد اعتبر بوتين أن الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في المدن الأمريكية مؤشر على أزمات عميقة في البلاد، قبل أن يعرّج على موضوع التسلح ليؤكد أن موسكو تطوّر أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت لمواجهة ترسانات تمتلكها دول كبرى.
في تعليقه على الاحتجاجات الأمريكية، دان الرئيس الروسي أعمال العنف والشغب، مؤكداً أن ذلك لن يكون مجدياً لمطالب المحتجين ومصلحة الأمريكيين، ليغمز من قناة أن هياكل السلطة في الولايات المتحدة تبدو مفككة وغير منسجمة قائلاً إن «الرئيس (الأمريكي) يقول علينا القيام بكذا وكذا، لكن حاكم الولاية في مكان آخر يحدد له المسار»، قبل أن يشير إلى أن تضارب المصالح في الداخل الأمريكي يختلف جذرياً عن واقع الحال في روسيا التي لا يمكن أن يقول مسؤول في الحكومة أو في الأقاليم لن ألتزم بما تأمر به الحكومة أو يقوله الرئيس. والعبرة من هذه المقارنة أن هناك فرقاً بين الدولتين والنظامين، وهو ما قد يعرض الرئيس الروسي إلى انتقادات كثيرة من الطرف المقابل الذي لا ينظر بودٍّ للنموذج الروسي وسياساته وخططه في المجالات كافة.
أقرب رد أمريكي على موقف بوتين، سيحاول الدفاع عن الولايات المتحدة على أنها بلد ديمقراطي عريق يحظى فيه حكام الولايات بشبه استقلالية عن الحكومة الفيدرالية في البيت الأبيض، كما لها تاريخ في التناوب على السلطة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ودستورها راسخ لا يعرف التعديل أو النقض، بينما روسيا غير ذلك تماماً. وقد يكون هذا الرد صحيحاً في ظاهره ولا مراء فيه، أما في العمق، فإن ملاحظات بوتين في محلها ولم يتجنّ على الولايات المتحدة في هذا الشأن بالذات. ذلك أن النظام الأمريكي يعيش أزمة عنقودية ظلت تنخر في مؤسسات الدولة طوال سنوات، وتعمقت في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي برع في صناعة خصومه حتى داخل فريقه البيضاوي، فضلاً عن الخلافات القائمة بينه وبين قادة البنتاجون وبعض الجنرالات في الجيش وحكام الولايات، وحتى قيادات ورموز الحزب الجمهوري الذي فاز باسمه بالرئاسة في الانتخابات الماضية ويريد الفوز في الاستحقاق الرئاسي المقبل. وهذه الحال لم تعد سراً مخفياً، بل إن المعارك السياسية بين أركان الدولة الأمريكية تدور على رؤوس الأشهاد وتتداولها وسائل الإعلام يومياً سواء بالسخرية أو التمجيد.
أزمة الدولة الأمريكية استفحلت مع انتشار وباء كورونا الذي جعل الولايات المتحدة خلال أسابيع قليلة في صدارة العالم من حيث عدد الإصابات والوفيات، وهو أمر يؤسف له لأنه يتعلق بأرواح الناس، ثم جاءت فضيحة القتل العنصري للرجل الأسود جورج فلويد، لتميط مزيداً من المساحيق عن الوجه الأمريكي الذي شوهته عمليات التجميل المتعاقبة، ويبدو أنه شاخ وآن له أن يتجدد ويظهر بملامح جديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"