مدرسية الفكر العربي

04:00 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

يهرب كثير من القراء أحياناً إلى كتابات جمالية تبتعد عن وجع الرأس الناتج عن متابعات الفكر والسياسة، هذا ما يشعر به المقبل على قراءة كتاب «تاريخ حدائق الحيوان في الغرب»، ولكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعور. فالكتاب المزود بصور ولوحات لحدائق الحيوان الغربية، لم يكتب للمتعة أو التسلية. وعلى الرغم من عنوانه المخاتل، فإن سطوره تثير كثيراً من الملاحظات والأسئلة المتعلقة بحضارة لم تستعمر معظم العالم وتسرق ثرواته وحسب، ولكنها نهبت الطبيعة بمختلف عناصرها.

في كل مكان دخله المستعمر الأوروبي، كان هناك ولع بحيوانات ذلك المكان. العشرات من الحيوانات تم ترحيلها إلى الغرب لدراستها علمياً، أو لاستخدامها في الترفيه أو لإشباع رغبات التملك لدى الطبقة الأرستقراطية أو لتوظيفها في ألعاب عنيفة، وامتدت الاستفادة منها حتى في فنون الرسم.

ونتيجة لقوائم تلك الحيوانات لا يمتلك القارئ إلا أن يسأل في البداية عن أوروبا؛ تلك القارة البائسة والفقيرة في مواردها الطبيعية، وتلك النزعة العنيفة في الروح الأوروبية الممتدة إلى عصور المصارعة الرومانية والتي لم تتغير جذرياً بفعل تأثير أفكار التنوير، فكل ما حدث هو استبدال صراع العبيد حتى الموت بقتال الحيوانات، واتخاذها مادة للفرجة ووسيلة للربح من خلال المراهنات.

الملاحظة الأهم المتعلقة بنا هنا في العالم العربي، تتمثل في غياب مشروع شامل لنقد الحضارة الغربية. إننا عندما نطالع العديد من أعمال مفكرينا التي تدور حول هذه المسألة، سنلاحظ أن أغلبيتها الساحقة تتمثل في مراجعات سياسية أو فلسفية؛ أي كل ما يتعلق بالبناء الفوقي النخبوي.

والمفارقة هنا تتمثل في أن معظم هؤلاء المفكرين درسوا في الغرب وعاشوا في مجتمعاته، ورأوا ولمسوا سلوكيات البشر هناك؛ أي توفرت لهم الفرصة لنقد الروح التي تتبدى في أوضح مظاهرها في الحياة اليومية لا في الكتب والنظريات. وإذا قارنا أطروحاتهم بالاستشراق، سنجد أن هذا الأخير أنتج دراسات تتعلق بكل مفردات الشرق، ولم تكن مقولاته تقتصر على الإسلام أو الاقتصاد أو السياسية أو التاريخ، ولكنها توسعت فشملت: سلوكيات الرجال والنساء خلف الأبواب المغلقة، والزي وجذوره وأساليب تناول الطعام.. وكأنهم وضعونا تحت مجهر ميكرسكوب ثقافي فشلنا في استعارته منهم، وظل الشرق بتاريخه وحضارته مثالاً لكل تراجع وتدهور وانحطاط، في مقابل الغرب المتفوق أخلاقياً وفكرياً منذ اليونان وحتى الآن.

إن مشكلة الفكر العربي الأساسية ليست في حواره الأبدي مع نظيره الغربي، ولكن في كل قضاياه، تتمثل في نخبويته التي نادراً ما تصل إلى نتائج موزونة مؤثرة ذات صوت مسموع، وكثيراً ما تتورط في نزعة مدرسية لا تخدم قضايا العرب الأساسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"