على هامش زيادة السكان

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

عندما وصل عدد سكان العالم إلى 5 مليارات نسمة في 11 يوليو(تموز) 1987، قررت الأمم المتحدة تخصيص هذا اليوم للاحتفاء الدولي بالسكان، والتوعية بمشاكلهم وقضاياهم البيئية والصحية، وأيضاً الدعوة إلى المساواة بين الجنسين في مختلف المجالات. الآن يقترب عدد سكان العالم من 8 مليارات نسمة، أي إننا أمام طفرة ضخمة حدثت في 37 عاماً، بمعنى أن البشر يزيدون بمقدار مليار نسمة كل 12 سنة تقريباً. وإذا بقينا في إطار الحسابات سنكتشف أننا نزيد حوالي 80 مليون نسمة كل عام، وهو وضع غير مسبوق في التاريخ الإنساني ما فتح الباب لسيناريوهات متفائلة وأخرى متشائمة بخصوص مستقبل البشر، وقدرة الموارد الطبيعية على تلبية احتياجات ذلك التضخم السكاني.

استطاع التقدم العلمي أن يستوعب الزيادة السكانية التي بدا أنها تسير بمتوالية هندسية منذ عقود، وذلك من خلال تحسين الظروف الصحية التي استطاعت مواجهة معدلات الوفاة المرتفعة في المواليد وكبار السن، كما استطاعت الهندسة الوراثية وطرائق الزراعة الحديثة توفير الغذاء لتلك الجموع الضخمة، وتولت الصناعة الصينية توفير الطلب المتزايد على مختلف البضائع وبأسعار في متناول اليد.

ولا يرى الكثيرون من فريق المتفائلين أية إشكاليات في تضخم عدد السكان، فالمسألة يمكن استيعابها من خلال برامج وخطط تنموية طموحة، فضلاً عن قدر من التوزيع العادل للثروات. ويذهب هؤلاء إلى أن مشاكل العالم بأسرها يتسبب فيها قلة من الأغنياء الذين تؤدي أنشطتهم إلى احترار الأرض وتغير المناخ، بل و ترتفع وتيرة التفاؤل لدى بعضهم، فالبشر بأجمعهم إذا وقفوا متجاورين أفقياً فإنهم لا يشغلون سوى مساحة الجزيرة البريطانية، فلا مشكلة إذاً من تضخم السكان، ويمكن حل الأزمات الناجمة عن ذلك ببساطة وعبر التخطيط الجيد.

على الجانب الآخر يتوقع الكثير من المتشائمين مستقبلاً مظلماً للجنس البشري مع تلك الزيادة المنفلتة من عقالها، ويتجولون في التاريخ ويتوقفون أمام لحظات الكوارث والمآسي الكبرى التي نتجت عن طفرات سكانية كانت لا تقارن بما نشهده الآن، ويرون أن العلم مع تقدمه سيتوقف عاجزاً في النهاية عن تلبية احتياجات الزيادة السكانية المتسارعة، كما أنهم يتخوفون من الهجرة وتغيير الخرائط على أساس ديموغرافي، والبعض يحذر من صعود النزعات الشعبوية والاتجاهات اليمينية المحافظة التي تزدهر في مراحل التضخم السكاني، وتورط آخرون منهم في إحدى نظريات المؤامرة التي راجت أيام جائحة «كورونا» وتعلقت بمخططات تهدف إلى تخفيض أعداد البشر والوصول إلى ما أُطلق عليه «المليار الذهبي»، أي البقاء للأقوى والأصلح من البشر في رؤية فانتازية تتقاطع مع نظرية التطور لدارون.

إن تلك الزيادة السكانية تحتاج إلى دراسات جادة وموضوعية تستند إلى معلومات وحقائق، ولا تنحاز إلى طبقة على حساب أخرى، وتتطلب الإجابة عن أسئلة عدة تتماس مع الاقتصاد والثقافة، وتحتاج إلى رؤى عن كيفية التوزيع الجيد للسكان لتجاوز مشاكل التكدس والزحام التي تنتج عنها أزمات أخطر من السابق ذكرها، ونعني زيادة معدلات الفقر وما يصحبها من انتشار للتطرف بأشكاله كافة: الفكري والديني والعنف الاجتماعي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2sau8vv6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"