عادي

كيف تشكل الفيروسات عالمنا؟

04:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

يعتبر البشر أنفسهم في قمة الهرم الغذائي، وكان لهم دور في انقراض عدد كبير من الحيوانات بما فيها السنور ذو الأسنان السيفية، وطير الموا الذي كان يستوطن نيوزيلندا وغيرها. ولكن يظهر فيروس «سارس كوفيد 2» كيف يمكن أن يصبح الإنسان هو الفريسة؟.
تسببت الفيروسات بسلسلة من الأوبئة الحديثة، من كوفيد-19 إلى فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز إلى تفشي الإنفلونزا الإسبانية 1928-1920، والتي أودت بحياة عدد أكبر بكثير من الذين قضوا خلال الحرب العالمية الأولى. وقبل ذلك، تمكّن الأوروبيون من استعمار الأمريكتين بفضل أوبئة الجدري والحصبة والإنفلونزا التي جلبها الغزاة معهم للأراضي الجديدة عن غير قصد، ما أدى إلى القضاء على عدد كبير من السكان الأصليين.
ومع ذلك، فإن تأثير الفيروسات في الحياة على الأرض يتجاوز بكثير مآسي الماضي والحاضر لنوع واحد من الكائنات. وعلى الرغم من أن دراسة الفيروسات بدأت كفحص لمجموعة فرعية غريبة من مسببات الأمراض، إلا أن الأبحاث الحديثة تضعها في صميم تفسير آلية عمل الجينات.
وتتنوع الفيروسات وتنتشر في كل مكان بشكل لا يمكن تصوره، وأصبح من الواضح مدى تأثيرها في تطور جميع الكائنات الحية منذ بداية الخلق. وفي ذلك، تبرهن الفيروسات القوة العمياء والقاسية للانتقاء الطبيعي في أكثر أشكاله دراماتيكية. وبالنسبة لمجموعة واحدة من الثدييات ثنائية الحركة والتي ساعدت الفيروسات في تكوينها، فإنها تمثل مزيجاً من التهديد والفرص.
ومن الأجدر بنا التفكير بالفيروسات على أنها حزم من المواد الجينية التي تستغل التمثيل الغذائي لكائن آخر من أجل التكاثر. إنها طفيليات من أنقى أنواعها: فهي تستعير كل شيء من المضيف باستثناء شفرتها الجينية التي تميزها.
ويعج العالم بالفيروسات، حيث وجد أحد التحليلات لمياه البحر نحو 200 ألف نوع فيروسي مختلف، ولم يكن هذا التحليل مفصلاً. وتشير أبحاث أخرى إلى أن لتراً واحداً من مياه البحر قد يحتوي على أكثر من 100 مليار جزيء فيروسي، في حين أن كيلو واحد من التربة الجافة يحتوي على عشرة أضعاف هذا الرقم. ووفقاً للحسابات العلمية، قد يحتوي العالم على 10 أس 31 من الفيروسات، أي واحد متبوعاً ب 31 صفراً، وهو عدد يفوق بكثير جميع أشكال الحياة الأخرى على هذا الكوكب.
وعلى حد علم أي شخص، تكيّفت الفيروسات لمهاجمة كل كائن حي موجود. كما أن أحد أسباب كونها القوة الدافعة في عملية التطوّر، إشرافها على إبادة شعواء واستثنائية، مع حدوث تحولات جينية فيها أثناء ذلك. ويتضح هذا الأمر بشكل خاص في المحيطات، حيث تقتل الفيروسات كل يوم خمس العوالق أحادية الخلية. ومن الناحية البيئية، يعزز هذا الأمر التنوع من خلال تقليل عدد الكائنات الحية الوفيرة، وإفساح المجال للكائنات النادرة. وكلما كان الكائن الحي أكثر شيوعاً، زادت احتمالية تطور طاعون محلي من الفيروسيات المتخصصة لمهاجمته، وبالتالي إبقاء هذا الكائن تحت السيطرة.
وهذه النزعة الطبيعية للتسبب في الأوبئة، هي أيضاً حافز قوي للفريسة لتطوير دفاعاتها. وفي بعض الأحيان يكون لهذه الدفاعات عواقب أوسع. فعلى سبيل المثال، فإن أحد التفسيرات لسبب قيام خلية ما بتدمير نفسها عمداً، هو أن تضحيتها تقلل من الحمل الفيروسي على الخلايا القريبة منها. وبهذه الطريقة، من المرجح أن تبقى جيناتها المنسوخة في الخلايا المجاورة على قيد الحياة. وهذا الانتحار الإيثاري هو شرط أساسي للخلايا لتتجمع وتشكل كائنات حية معقدة، مثل البازلاء والفطر والبشر.
والسبب الآخر لكون الفيروسات محركات للتطور هو أنها تعمل كآليات لنقل المعلومات الجينية، حيث ينتهي الأمر ببعض الجينومات الفيروسية إلى الاندماج مع الخلايا المضيفة، لتنتقل إلى أحفاد تلك الكائنات الحية. ويبدو أن ما بين 8% إلى 25% من الجينوم البشري له أصول فيروسية كهذه.
إن الوعي البشري الفريد بوجود الفيروسات يفتح آفاقاً جديدة للتعامل مع التهديدات الفيروسية واستغلالها، وهذا يبدأ باكتشاف معجزة التطعيم واللقاحات التي تحمينا من الأمراض قبل ظهورها. وبفضل اللقاحات، لم يعد الجدري موجوداً، حيث أودى بحياة حوالي 300 مليون شخص في القرن العشرين، كما أننا نقترب من القضاء على شلل الأطفال. وستعزز البحوث الجديدة التي حفزتها جائحة «كوفيد-19» القدرة على استكشاف عالم الفيروسات والاستجابة لها بشكل أفضل، ما يرتقي بخطوط الدفاع البشرية ضد الفيروسات إلى مستوى جديد.

عن مجلة «الإيكونومست» البريطانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"