استفتاء الجزائر الجديدة

04:03 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

يحاول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فتح ورشة إصلاحات واسعة، على الرغم من التحديات الظاهرة والباطنة والسجال المستمر في الشارع وبين النخب السياسية حول الطريقة المثلى للنهوض بالبلاد بعد التغيير السياسي الذي ظل تحت السيطرة وعكس صورة مشحونة بالدلالات.
بوابة الجزائر الجديدة، ستبدأ بالاستفتاء على تعديل الدستور في الأول من نوفمبر المقبل المصادف للذكرى السادسة والستين لثورة التحرير من الاستعمار الفرنسي، وهو تاريخ مدروس بعناية ويحمل رسالة تعبر عن رغبة في إحداث ثورة جديدة، أو بالأحرى تصحيح الأولى دون مس من مكانتها المقدسة وقيمها العابرة للحقب.
والغاية القصوى تأسيس مشهد جديد يقطع مع الماضي ويتواصل معه في آن. وسيأتي هذا التعديل الدستوري بعد أقل من عام على الانتخابات الرئاسية التعددية، وبعد أشهر طويلة من الحراك والرهانات على بناء نظام سياسي خلاق يأخذ في الاعتبار إرث حركة الاستقلال وتطلع الأجيال الجديدة إلى التقدم والنمو وحرية التعبير ومعالجة الأزمات التي تراكمت على مدار عقود من البيروقراطية أدت إلى تفشي الفساد وترهل مؤسسات الدولة، وهو ما كاد يدفع بالبلاد إلى أتون أزمة قاتلة بدت نذرها واضحة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
التعديل الدستوري المأمول يمكن الرهان على نجاحه بالنظر إلى خطوات تمهيدية قطعتها الجزائر ونجحت نسبياً في تحرير الدولة من هيمنة طبقة أساءت استخدام السلطة وعبثت بمقدرات الشعب. وقد ثبت أن المحاكمات الجارية والأحكام التي صدرت بحق كبار المسؤولين السابقين من المنتمين إلى ما يسميها الجزائريون «العصابة»، لم تكن مسرحية ولم تخضع للمحاباة أو الوصولية. ومما يرفد هذا التوجه ويعززه الإقالات والتغييرات التي طالت كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومنهم جنرالات متنفذون متهمون بالمسؤولية عن خروق كبيرة ومتورطون مع فاسدين.
وبحسب الرئيس تبون، فإن الطريق ما زال طويلاً ومحفوفاً بالمخاطر بسبب محاولات بعض الأطراف إحباط العزائم وإفساد ما تم تداركه، والحل يكمن في تسريع إعادة بناء النظام عبر دستور توافقي يفصل بين السلطات ويحد من صلاحيات رئيس البلاد واستقلال القضاء وإعادة العمل بنظام رئيس الحكومة وإنشاء محكمة دستورية تكون مرجعاً عند الخلاف بين مؤسسات النظام.
استفتاء الأول من نوفمبر لن يقتصر على تعديل الدستور فحسب؛ بل سيكون اختباراً حقيقياً لشعبية تبون ونهجه. كما سيعبر عن مدى التناغم بين نوايا السلطة وإرادة الشارع. وبينما لم تتضح بعد الصيغة النهائية للدستور، تقول رئاسة الجمهورية إنها تلقت ما يزيد على 2500 اقتراح للتعديل من أحزاب ومنظمات وشخصيات. وبقدر ما هناك أصوات مؤيدة وداعمة للخطوة، هناك معارضون ومنتقدون يطغى عليهم الشك ويفاقم استياءهم الوضع الاجتماعي المتدهور بسبب الأزمة الاقتصادية المزمنة والآثار المدمرة لجائحة كورونا. وإذا كان من المبكر معرفة مصير الاستفتاء، فإن فشله مشكلة تداعياتها خطِرة، أما نجاحه فسيكون أقل الآليات كلفة لضمان التغيير السلمي وتأمين الانتقال الديمقراطي بعيداً عن المغامرات غير المحسوبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"