قرن لبناني جديد

04:14 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

ربما يتوفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحقيق شيء في لبنان، ودفع الأطراف السياسية إلى كتابة عهد جديد يطوي عقوداً طويلة من الصراعات والحروب والمناكفات والتدخلات الإقليمية والدولية التي استنزفت رصيد الدولة اللبنانية وخصمت من سيادتها الوطنية حتى بلغت درجة الانهيار والإفلاس.
انفجار بيروت، الذي سيظل محفوراً في الذاكرة جريمة تاريخية وإن ظل المجرم مبنياً للمجهول، يبدو أنه نسف عهداً متهالكاً وأسقط كثيراً مما كان يعتبر بديهيات لبنانية، حتى قال كثيرون إن الحال بعد الانفجار لن تكون كما قبله. وإذا لم تخلق فاجعة كتلك وعياً جديداً وحفزت على اجتراح طريقة مختلفة للتعايش والانتماء إلى المستقبل، فلا معنى للتعاطف الدولي مع هذا الشعب العربي الذي عانى، ربما أكثر من غيره، ويلات السياسة وكيد السياسيين، ولا معنى للصيحات العابرة للطوائف والمنطلقة من ضمائر مئات الآلاف من المتظاهرين على مدى أشهر طويلة للمطالبة ببلد يحفظ أبناءه على قاعدة التعايش المشترك، وجاء الحدث الرهيب ليلهب نار ذلك الغضب، ولتتعزز المطالب بضرورة إسقاط النظام الطائفي وإعلان حرب وطنية «عظمى» على جميع الفاسدين دون حصانة لأحد مهما عظمت طائفته أو تموقع في كرسي مسؤولية كبير.
لبنان يجب أن يتغير ولا دوام للمعادلات التي تجاوزها الزمن، وقد لا تتوفر فرصة فريدة على مأساويتها مثل هذه اللحظة لتخلص النية في إصلاح حقيقي يعيد بناء لبنان على أسس جديدة. ولا يظنّ أحد أن ذلك بعزيز على شعب راكم من تجارب الصراعات والخلافات الكثير، واستطاع أن يعبر كل تلك المحن محافظاً على نواميس بقائه الفطرية، وما زال مصمماً على الحياة دون أن يتخلى عن حقه في كل شيء تفرضه مبادئ الحرية والسيادة والكرامة الوطنية.
هذه الأيام يحتفي لبنان بالذكرى المئوية لتأسيسه. ومع بداية كل قرن في تاريخ الشعوب تتشكل عوامل عصر جديد. ومن غير المنطقي أن يعيش لبنان مئة سنة أخرى كما عاش الأولى، رغم ما عرفته من فترات مجيدة لا تنسى، فلبنان لم يكن صراعات وحرباً أهلية واغتيالات وفساداً، بل كان ومازال منارة مضيئة في العالم العربي ولوحة فسيفساء بديعة لا غنى عنها في المنطقة. ومن أجل ذلك فقط، حان وقت التغيير الجذري وإعادة الخلق وفق مقتضيات هذا العصر وضروراته. ورغم حالات الإحباط التاريخية والأوضاع الإقليمية والدولية المتقلبة، مازال التعلق بالحياة وبالغد الأفضل وبكل ماهو مشرق فضيلة لا يجب أن تجحد. والمستقبل هو ثمرة ما يزرعه الحاضر في تربة الماضي. وفي هذا السياق يمكن فهم مبادرة ماكرون الذي استهل زيارته بلقاء السيدة فيروز، وفي ذلك فليتبار المؤولون، وهو أمر طبيعي في مرحلة مخاض كبير. وربما تنجح فرنسا التي رعت ولادة لبنان قبل قرن من اليوم في أن تصلح ما أفسدته في شهادة الميلاد، وما فعله بعدها المتدخلون. أما المسؤولية الكبرى فتعود إلى اللبنانيين الذين وحدهم يحددون بأي وجه يدخلون قرنهم الجديد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"