عادي
النسخة الثامنة من المؤتمر الخليجي للتراث

تاريخ الأوبئة.. تجارب وخبرات انتصرت على الجائحة

03:46 صباحا
قراءة 6 دقائق

أبوظبي نجاة الفارس:

نظمت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، النسخة الثامنة من المؤتمر الخليجي للتراث والتاريخ الشفهي، الذي عقد افتراضياً، أمس الثلاثاء، تحت عنوان: «تاريخ الأوبئة في شبه الجزيرة العربية»، وأدار المؤتمر سعيد حمد الكعبي، مدير إدارة التراث غير المادي في الدائرة.

استهل المؤتمر بكلمة افتتاحية لسعود الحوسني، وكيل الدائرة بالإنابة، قال فيها: «لقد شاءت الظروف الصحية التي يمر بها العالم أن يعقد المؤتمر هذا العام بتقنية التواصل عن بُعد، وأن يواكب موضوعه قراءة في التاريخ الشفهي للأوبئة التي تعرضت لها المجتمعات الخليجية في العصر الحديث، وسبل مواجهتها؛ وهي قراءة تستحق الوقوف والتأمل في ظل الجائحة التي نمر بها الآن».

وتابع: «اليوم وكسائر سكان هذا الكوكب نواجه جائحة فيروس كورونا، وإن لدينا من تاريخ الخليج المشترك الكثير من التجارب والممارسات التي تعزز الإجراءات الوقائية التي تقوم بها حكومتنا الرشيدة ومؤسساتنا الواعدة وفي مقدمتها قيم التعاون والتكاتف والوعي المجتمعي والتصميم على تجاوز الآثار السلبية لهذه الجائحة».

واختتم: «لقد أضحت استراتيجية قيادتنا الرشيدة لمكافحة جائحة كورونا محط إعجاب وتقدير الهيئات والمؤسسات الدولية التي تقيم تجارب الدول والمجتمعات في مواجهة هذه الجائحة، وبهذه المناسبة نجدد فخرنا بوعي المجتمع ومسؤوليته وتكاتف كل الجهات المعنية، ونشد على أيدي الذين يقفون مع الوطن لاستدامته ونهضته وتحقيق أمانيه، كما نجدد الفخر بكل نجاح تحقق على هذا الصعيد، والترحيب الدائم بكل جهد خليجي مشترك يقوي الوحدة الخليجية، ويشد العزيمة؛ لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار».

جهود مستمرة

سعيد حمد الكعبي، مدير إدارة التراث غير المادي في الدائرة، قال: «منذ إطلاق المؤتمر في عام 2012، سعينا إلى المحافظة على التراث المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي؛ من خلال جمع كبار الخبراء في منصة واحدة؛ لمناقشة الجهود المستمرة للمحافظة على تراثنا وحمايته».

وأضاف: «هذا العام، كان علينا أن نتكيف مع تأثيرات انتشار فيروس كوفيد-19، خلال المؤتمر الذي عقد افتراضياً، وشهد مشاركة واسعة من المتحدثين وتفاعلاً لافتاً من الجمهور؛ حيث تناول عدداً من المحاور المهمة حول كيفية تعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع الأوبئة السابقة، وكيف اكتسبت منطقة الخليج خبرة في المواجهة والتغلب على مثل هذه الامراض».

وتناول مطر سعيد النعيمي، مدير إدارة الطوارئ والأزمات في دائرة الصحة - أبوظبي، مدير عام مركز أبوظبي للصحة العامة، تجربة الإمارات في مواجهة كوفيد - 19، مؤكداً أن الامارات تتمتع بسبق علمي في مجالات البحث في كوفيد 19 وسينشر قريباً، موضحاً: إن البرنامج الذي اتبعته الإمارات في الوقاية ومكافحة المرض؛ أسهم بنسبة 87.5% بخفض الإصابة والمحافظة على كبار المواطنين وكبار المقيمين في المجتمع، وبما أن الانسان هو محور عملية التثقيف؛ فقد وصلنا إلى 12 لغة في إصدار الكتيبات الإرشادية، وتم عقد دورة تثقيفية لكل موظف لدى عودته للعمل كما تم تشكيل 39 فريقاً طبياً ميدانياً؛ مهمتهم المسح الميداني، وأخذ العينات مما ساعد في الوصول إلى الأماكن النائية، وتم تطوير المختبرات الطبية؛ حيث إنه في بداية الحدث كنا نمتلك مختبراً واحداً واليوم وصل عددها إلى أكثر من 30 مختبراً، ويومياً نقوم بإجراء 80 ألف فحص، ونحن بذلك من أوائل الدول على مستوى العالم، كما أن الإمارات متقدمة بالمرتبة الأولى في موضوع نسبة الحالات الإيجابية.

حياة شاقة

وتحدث الكاتب والمفكر الإماراتي الدكتور يوسف الحسن عن «الرواية التاريخية حول الأوبئة في الإمارات قبل الاستقلال»، موضحاً: إن وباء كوفيد 19 يذكرنا بالأوبئة السابقة، التي كثيراً ما أطلق عليها الوباء الجارف، وكأنها كانت تجرف الناس كالسيل، وتترك آثاراً ومتغيرات في المجتمع وكمثال على ذلك وباء الطاعون الذي قتل نصف سكان العالم ثم عاد من جديد ليصيب أوروبا، وعرف وقتها بالموت الأسود، ثم ابتدعت الإنسانية مسألة الحجر الصحي، ونحن بثقافتنا العربية والإسلامية لدينا قاعدة ذهبية تنسب إلى حديث شريف معناه إذا تفشى الطاعون بمدينة فلا تخرجوا منها ولا تدخلوها.

وأضاف: تفشت الأوبئة كذلك في إمارات الساحل المتصالح كما كانت تسمى قبل الاستقلال، وكانت الحياة أكثر مشقة وحرماناً على الرغم من أنها كانت محل تنافس قوى استعمارية، وكانت خطوط السفن التجارية تمر في الإمارات والهجرات البشرية سواء العمدية أو القهرية وكذلك مواسم الحج، مما شكل بيئة مساعدة وعوامل أدت إلى انتقال الأوبئة والأمراض، وكان أبرز وبائين أصابا الإمارات، أولهما الكوليرا التي تفشت مع بداية الثورة الصناعية والتجمعات السكانية للعمالة خلال القرنين الماضيين فقد تجاوز عدد قتلى الكوليرا 40 مليون شخص خاصة في الهند ومصر وغيرهما من الدول، وكانت الإمارات ملتقى للطرق ولم يكن الحجاج حتى القرن التاسع عشر يخضعون لتحليلات صحية، وفي عام 1865 مات ثلث الحجاج، ولكن استخدام المضادات الحيوية ومعالجة مياه الشرب؛ أسهمت في القضاء على وباء الكوليرا.

وذكر أن الوباء الثاني كان الجدري الذي وصل عدد وفياته إلى 30 مليون وفاة في القرن العشرين، وانتهى عندما بدأ العالم يقوم بالتطعيم، وتشير الوثائق إلى حرص الحكومة البريطانية على سلامة ممثليها، فكانت تبدي اهتماماً بالحجر الصحي وبدأت الإمارات في وضع وإقامة مستوصفات صحية، وكان الحكام يطلبون المساعدة من الحكومة البريطانية، ويروي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في كتابه «سيرة مدينة» عن تفشي وباء الجدري عام 1935، حتى أن الشارقة أعلنت منطقة موبوءة بمرض الجدري، ثم حصلوا على اللقاح وكان يُمنح مجاناً، وفي عام 1936 أشارت التقارير إلى أن دبي والشارقة تعدان خاليتين من الوباء.

وقال الحسن: إن كتب التاريخ تكشف مجموعة من الأوبئة التي واجهتها المنطقة على الرغم من شح الموارد مثل الطاعون والكوليرا وكان الأهالي يعزلون المريض، كما كان الناس يستخدمون الطب الشعبي حتى نهاية الأربعينات كالحجامة والكي والعلاج بالأعشاب وكان يسمى ممارسها المعالج الشعبي، كما عمل أطباء هنود في مستوصفات كثيرة في الشارقة ودبي، ثم تأسست المستشفيات مثل المستشفى الكويتي بالشارقة.

نظرة إنثروبولوجية

أما الكاتب الدكتور أحمد عيسى الهلالي، أستاذ البلاغة والنقد المشارك بكلية الآداب - قسم اللغة العربية بجامعة الطائف السعودية، فتحدث حول موضوع تاريخ الأوبئة في المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك الراحل عبدالعزيز حتى اليوم.

وشارك من الكويت الدكتور حسن أشكناني المشرف على متحف ومختبر الأنثروبولوجيا وعلم الآثار في قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية والأنثروبولوجيا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت؛ حيث قدم نظرة إنثروبولوجية في الأمراض القديمة في المجتمع الخليجي وأهمية المسح والتعقيمات، كما تحدث الدكتور حمد إبراهيم العبدالله، الأستاذ المساعد في التاريخ الحديث والمعاصر بقسم العلوم الاجتماعية في كلية الآداب جامعة البحرين، عن دور البعثات الطبية الأجنبية في مكافحة الأوبئة في الربع الأول من القرن العشرين في البحرين، وتناول الدكتور سعيد الهاشمي، الأستاذ المشارك في قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس، مساعد عميد الكلية للدراسات العليا والبحث العلمي، كيف واجه العمانيون الأوبئة.

توصيات المؤتمر

طرح المؤتمر التوصيات التالية:

أولاً -تأكيد أهميّة المؤتمر، ودعم استمراريّته كمنصة خليجيّة ثقافية وتراثية، تبرز مكانة المرويات الشفهيّة في توثيق التاريخ والتراث الخليجي المشترك.

ثانياً - إجراء المزيد من البحوث والدراسات الأنثروبولوجيّة حول الأوبئة التي تعرضت لها المجتمعات الخليجيّة في العصر الحديث وسبل مواجهتها.

ثالثاً- توثيق تجارب الدول الخليجيّة في مواجهة الأوبئة كجزء من التراث الإنساني، بما في ذلك دور البعثات الطبية الأجنبيّة والإرساليات في هذا الخصوص.

رابعاً- إجراء بحوث ودراسات معمقة تتناول ما ورد في كتب الرحالة من مذكرات، ويوميات، وأخبار، وما تتضمنه الوثائق والمخطوطات والتقارير حول الأوبئة التي تعرضت لها شبة الجزيرة العربيّة في العصر الحديث.

خامساً - إبراز الدور المجتمعي الخليجي في مواجهة الأوبئة من خلال البرامج الإذاعيّة، والمسلسلات التلفزيونيّة، وغيرها من وسائل الإعلام.

سادساً - تضمين المناهج الدراسيّة في مختلف الصفوف الدراسيّة بالقيم والتقاليد والتجارب الخليجيّة المشتركة التي أسهمت على مر التاريخ في قدرته على عبور الأزمات والأوبئة.

سابعاً - بناء استراتيجيّة خليجيّة مشتركة ومتكاملة، تسهم في توحيد الرؤى والمناهج، والخطط لمواجهة الأوبئة، وتبادل التجارب المتميزة في هذه المواجهة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"