عادي

«العرابة».. انقلاب سينمائي في عالم أساطير «ديزني»

02:31 صباحا
قراءة 5 دقائق
1

مارلين سلوم

أن تقرر شركة ضخمة وأولى في عالم السحر وأساطير الطفولة، أن تطوي صفحات من تاريخ طويل صنع لها المجد حول العالم، لتنطلق من هذا الماضي إلى بداية جديدة أكثر واقعية وارتباطاً بالعالم الحقيقي، فهي نقلة مهمة وفكرة تكتب النجاح لأي فيلم جديد. هكذا قررت شركة «ديزني» أن تغير مفهوم «السعادة» الذي ربطته لسنوات في خيالنا وعقول أجيال وأجيال، بزواج الفتاة من أمير الأحلام وبعبارة «عاشا بسعادة إلى الأبد». فجأة تغير «ديزني» بوصلة أعمالها الرومانسية، لتهبط بساحراتها من عالم القصور إلى الحياة العصرية الحديثة، بفيلم «جودماذيرد» أو «العرّابة» الذي يعد بداية لمرحلة مختلفة وانقلاباً في عالم أساطير «ديزني».

هل لأن أبناء الأجيال الجديدة أقل سذاجة مما كنا عليه في طفولتنا، وهم أكثر وعياً وإدراكاً للحقائق ويعيشون بواقعية شديدة، بحكم تطور التكنولوجيا وسعة اطلاعهم مبكراً على كل ما يحدث حول العالم، أدركت «ديزني» أن سحر الأساطير فقد بريقه، ولم يعد «المستهلك» يبلع الطعم ويشتري من تلك البضاعة المحلاة «بالسكر زيادة»، حيث حكايات الأمير وحصانه الأبيض والفتاة المغلوب على أمرها التي تنتظره ليتزوجا، وفي زواجهما «ضمانة» مؤكدة للحياة السعيدة «إلى الأبد»؟
 بداية فيلم «العرّابة» لا يوحي بأن الشركة غيرت اتجاهها أو أنها تطوي صفحات لتفتح نوافذ أخرى على قصص أكثر واقعية، بل يبدو وكأنها تسير في نفس خطها الحديث، حيث تحول أشهر أعمالها مثل «سندريللا» و«الجميلة والوحش» من الكرتون إلى أبطال من لحم ودم. لكن القصة تصل بنا إلى نهاية مفاجئة، يمكن القول إنها هي «الجوهر» والفكرة الرئيسية التي بنيت عليها كل القصة، وما عليك سوى إعادة الشريط إلى الوراء كي تستعيد بعض النقاط وتتوقف عندها أكثر.
التركيبة الأساسية
بذكاء شديد، انطلق الكاتبان ميليسا ك. ستاك وكاري جرانلوند بقصتهما من مدرسة «العرابات» التي تبدو على حافة الإغلاق، لا تطور فيها، كل «الساحرات» أو العرابات كما يلقبن، طاعنات في السن، باستثناء واحدة «إلينور» (جيليان بيل)، الصبية المفعمة بالنشاط، المتحمسة لأن تصبح عرابة ملمة بكل أسرار عالم السحر، الحريصة على «المذاكرة» وتعلم عن ظهر غيب «التركيبة الأساسية» للسحر وهي: الثوب، الحب ثم السعادة الأبدية؛ هذا التدرج هو الذي كنا نشاهده في أفلام «ديزني» المعروفة، حيث تمنح «العرابة» للفتاة الطيبة التي تحتاج إلى مساعدة مثل سندريللا، الثوب الجميل، ثم تجد الحب وبعدها تتحقق لها السعادة الأبدية.. في مشهد ظريف، تقدم المخرجة شارون ماجواير ( مخرجة سلسلة أفلام بريدجت جونز) مجموعة العرابات وكلهن كبيرات في السن، جالسات على المقاعد الدراسية تتوسطهن أصغرهن إلينور، تتذمرن من الحصة اليومية التي تصر فيها مديرة المدرسة مويرا (جاين كورتن) على تكرار نفس الكلام والقواعد و«التركيبة الأساسية». وسبب التذمر أن المدرسة ستغلق أبوابها قريباً لأن الناس خصوصاً الأطفال لم يقتنعوا بالعرابات، ولم تصلهم أي رسالة من أي كائن بشري على الأرض يطلب فيها المساعدة، وخلال أيام قليلة ستغلق أبواب المدرسة نهائياً إذا لم تقم إحداهن بمهمة رسمية تنجح فيها بتحقيق السعادة الأبدية لشخص يحتاج إليها، وتتحول العرابات إلى «فيري تيث» أي «ساحرات أسنان» وهي أدنى مستوى للساحرات مخصصة للأطفال في مراحل الطفولة المبكرة.
تتحمل إلينور مسؤولية إنقاذ المدرسة بمفردها، وتقرر دون علم مويرا أن تبحث عن رسالة في مكتبة المدرسة، فإذا بها تجد واحدة كتبتها فتاة في العاشرة من عمرها، تطلب مساعدة العرابات في جعل زميلها ينتبه إلى وجودها ويحبها. تحمل الرسالة وبعضاً من أغراضها الضرورية وتهبط في أمريكا، حاملة الخريطة التي رسمتها لها العرابة أغنيس (جون سكويب)، الطيبة الظريفة التي تعد الراوية في هذا الفيلم، والتي تعرّف عن نفسها وبأنها بلغت 172 عاماً. 
رحلة إلينور إلى الأرض تكون عبارة عن مشاهد ومواقف كوميدية متتالية، خصوصاً أن الفتاة ما تزال تجهل كل قواعد السحر، وتحاول أن تتدرب، فتصيب مرة وتخيب مرات.
حادثة مؤلمة
المخرجة ماجواير لم تبالغ في الإبهار، بل جعلت الفيلم أقرب إلى الواقعية المغلفة ببعض السحر، والسحر هنا أقرب إلى الأمل لا الخيال، عكس ما كان يحصل عادة في تلك النوعية من الأفلام. إلينور هي العرابة التي وصلت إلى أمريكا لمساعدة ماكنزي ولش ابنة العشرة أعوام، فإذا بها تفاجأ بأنها وصلت متأخرة أعوام كثيرة، وماكنزي أصبحت أماً لابنتين وأرملة فقدت زوجها في حادثة مؤلمة قلبت حياة الأسرة رأساً على عقب، والأهم أنها أفقدت ماكنزي حبها للحياة وتفاؤلها بالغد، من دون أن تفقد معدنها الأصيل وطيبتها ورغبتها في مساعدة الآخرين. الممثلة إيسلا فيشر تؤدي شخصية ماكنزي وهي بطلة شريكة لجيليان بيل ومسؤولة معها عن نجاح الفيلم. تنجح في دور الأرملة المسؤولة عن تربية ابنتيها وعن التفوق في عملها في المحطة الإخبارية، وإخفاء مشاعرها وقلقها دائماً.
رسالة جوهرية 
كثيرة المواقف الكوميدية التي تتوالى بسبب الفوضى التي تحدثها إلينور التي يمكن تلقيبها بالعرابة الطائشة، والتي تبدو طفولية جداً وبريئة جداً في تعاطيها مع الأزمات التي تواجهها خلال اكتشافها للحياة على الأرض وكيفية تعاملها مع التطور ومع مشاكل ماكنزي وعائلتها. لكن في نفس الوقت، نعيش مع هذه المجموعة «الأنثوية» إلينور وماكنزي وابنتيها وشقيقتها، لحظات من المشاعر الإنسانية والأزمات النفسية، وفي الحوار عبارات مهمة وجميلة نتوقف عند أهمها مثل قول ماكنزي للعرابة «الحياة لا تشبه الأساطير»، ثم قولها لابنتها جاين الخائفة من مواجهة الناس وعدم ثقتها بنفسها وبصوتها وموهبتها في الغناء: «لم أثق فيكِ لأنني فقدت الثقة في نفسي.. أنا علمتك الخوف». ثم يأتي مسك الختام مع الرسالة الجوهرية التي يريد الكاتبان إيصالها للجمهور والتي تعكس التوجه الجديد ل«ديزني» صانعة السحر والأساطير، حين تتواجه إلينور مع ميورا فتقول لها إن الحب الحقيقي ليس بالضرورة بين فتاة وشاب، بل يكون أيضاً بين أفراد الأسرة، «يمكننا مساعدتهم بإصلاح حياتهم» عندها تكون السعادة الحقيقية و«الأبدية»، وليس شرطاً أن تكون محصورة بالزواج والإنجاب.
قد تفقد الأساطير بريقها، لكنها أبداً لن تفقد سحرها الذي يلعب على مشاعر الجمهور ويحرك العواطف ويجبرنا على التفاعل بالبكاء أو الفرح والانتعاش والتصفيق. وأبداً لن تتوقف أحلام الفتيات بلقاء «فارس أحلام» ما، وإن تغيرت ملامحه ولم يعد للفرس وجود. هذه الحقيقة تلتقي مع الرسائل الذكية التي يطرحها الفيلم، ومنها ما تقوله العرابات في النهاية «حان وقت إعادة كتابة الكتاب»، ما يعني أن «ديزني» تفتح صفحة جديدة لتكتب الأساطير بلغة العصر الحديث والواقع المجبول بالأمل الذي يحمل مفعول السحر، وفيها «ما سيكون» دون العودة إلى «كان يا ما كان».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"