أستراليا وفاتورة المواجهة مع الصين

23:58 مساء
قراءة 4 دقائق

ليونيل باربر *

عندما دعت الحكومة الأسترالية في إبريل/ نيسان الماضي لإجراء تحقيق مستقل حول علاقة الصين في منشأ كوفيد-19، توقع القليل من المحللين تردي العلاقات بين البلدين.

 لكن بكين التي تتعامل بحساسية خاصة مع قضية منشأ الفيروس، شددت العقوبات التجارية على أستراليا لتشمل لحوم البقر والشعير والفحم والأخشاب. وبصورة إجمالية، تأثرت الصادرات الأسترالية من السلع والخدمات البالغة قيمتها 147 مليار دولار، حيث تراجعت 21 مليار دولار واستثني خام الحديد من الإجراءات الصينية.

 وليس جديداً على بكين استخدام ميزة الوصول إلى أسواقها المحلية كسلاح ضد جيرانها الآسيويين الآخرين مثل اليابان وكوريا الجنوبية. ومع ارتفاع التكلفة الاقتصادية لتلك الإجراءات، تعيش بعض قيادات الأعمال في أستراليا حالة من التوتر. وقال جيمس روبسون، مالك شركة «روس هيل واينز» في نيو ساوث ويلز، في مقابلة مع محطة بث تلفزيوني محلية: «لا نفهم أسباب خوض الحكومة الفيدرالية معركة مع أكبر عميل لدينا».

 وصعّدت الصين المعركة ضد أستراليا باعتماد دبلوماسية «المحارب الذئب»، وهي مزيج من التهكم والتهديدات التي بلغت ذروتها مؤخراً عندما نشر متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية صورة مزيفة لجندي مبتسم يحمل سكيناً ملطخاً بالدماء في حلق طفل في أفغانستان.

 ويهدف المنشور إلى تسليط الضوء على عمليات القتل غير القانونية المزعومة والانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأسترالية الخاصة في أفغانستان، والتي تحقق فيها سلطات كانبيرا. ومثلت التغريدة أيضاً شكلاً من أشكال الدفاع عن الجريمة وكأن الصين تتهم أستراليا ضمنياً بازدواجية المعايير، وهي وسيلة لصرف النظر عما يتعرض له سكان الأويجور في شينجيانج.

 وفي حين جاء رد فعل رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، الغاضب مخادعاً إلى حد ما، حيث طالب بحق الرد على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما تم تجاهله لاحقاً، فإن الضغط الاقتصادي الصيني يسلط الضوء على معضلة استراتيجية أوسع تواجهها أستراليا، وهي كيفية موازنة العلاقات مع أكبر عميل اقتصادي لها مع حماية صنع القرار المستقل والاعتماد ​​على الولايات المتحدة أمنياً.

 ويعتمد هامش المناورة الأسترالية على توازن إقليمي يعتبر فيه وجود أمريكا في المحيط الهادئ أمراً بالغ الأهمية. 

 ومن الجدير بالذكر أن أستراليا خاضت تقريباً كل الحروب «الغربية» الكبرى بما في ذلك الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب فيتنام وأفغانستان. ولكن في القرن الحادي والعشرين، تحولت أستراليا، ديموغرافياً واقتصادياً، من دولة «غربية» في مرحلة ما بعد الاستعمار، إلى دولة أكثر «آسيوية» تعيش في ظل الصين ذات القوة المتزايدة.

 في منتصف التسعينات، وسط شكوك بأن كانبيرا كانت تقف إلى جانب الولايات المتحدة في قضية منح قدر أكبر من الحكم الذاتي لهونج كونج وتايوان، كان رد فعل الصين رصيناً جداً. فقد قارن منشور صيني أستراليا بالخفاش الذي يعطي ولاءه للثدييات عندما يكون في طور الصعود، لكنه يزعم لاحقاً أنه طائر عندما يكون النصر حليف الطيور.

 خلال فترة حكم موريسون، أصبح هذا المسار الدبلوماسي أكثر صعوبة. فقد أكد أن كانبيرا تفضل أن لا تضطر للقبول بخيارات غير رئيسية من وجهة نظره. وقال إن التحدي الذي واجهته السياسة الخارجية لجميع الدول الشريكة في المحيطين الهندي والهادى في عصر المنافسة العالمية بين الولايات المتحدة والصين، سيكون أكثر تعقيداً مما كان عليه خلال الحرب الباردة.

 على مدى السنوات الأربع الماضية، كان النهج القوي لإدارة ترامب المنتهية ولايته تجاه الصين محسوساً من أوروبا إلى آسيا. استجابت الحكومة الأسترالية المحافظة وفقاً لذلك. في عام 2018، كانت أول دولة تمنع علناً شركة «هواوي» الصينية من نشر شبكاتها اللاسلكية من الجيل الخامس «جي 5». وبصفتها عضواً في تحالف «فايف آيز» أو العيون الخمس، الذي يضم أيضاً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ونيوزيلندا، فإنها لا تزال مصممة على البقاء على مقربة من واشنطن، سواء كان الجمهوريون أو الديمقراطيون يحكمون في البيت الأبيض.

 خلال رئاسة باراك أوباما، أعلنت الولايات المتحدة عن «ميل» نحو آسيا، لكن أستراليا شعرت أن الشعار أقل جوهراً من الواقع. في الآونة الأخيرة، حتى مع تنامي اعتمادها الاقتصادي على الصين، مالت السياسة الخارجية الأسترالية أكثر نحو البعد الأمني.

 وشمل ذلك اتفاق وضع القوات المعلق مع اليابان، وزيادة الاهتمام بجنوب شرق آسيا وتوثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. في عام 2021، قد يؤدي ذلك إلى انضمام أستراليا إلى منتدى «دي 10» المفترض للدول الديمقراطية الذي دعت إليه حكومة بوريس جونسون في المملكة المتحدة والذي سيشمل الهند واليابان وكوريا الجنوبية.

 كان من الممكن أن يكون النهج الأكثر فاعلية في الرد على المنشور الصيني هو النقد على الطريقة اليابانية المحسوبة، أو بيان التضامن الجماعي من قبل الحلفاء ذوي التفكير المماثل. هذا الأخير كان رهانًا أكثر أمانًا من أسلوب أستراليا الهجومي، والذي أبرزته الدعوة إلى التحقيق في أصول ومنشأ كوفيد-19.

* كاتب في «فاينانشال تايمز»  مؤلف كتاب«القوي والشيطان»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في «فاينانشال تايمز» مؤلف كتاب «القوي والشيطان»

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"