عادي

فضيلة الوقف في الإسلام

23:49 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

الوقف من المسائل المعروفة لدى الخاصة والعامة من الناس من قديم الزمان؛ لماله من أثر إيجابي على حياة المجتمع الفقير خاصة، وأثره الطيب له انعكاسات على الواقف نفسه قبل الآخرين، لأنه يرفع درجاته ويزيد حسناته، ويكفي أنه من الأعمال التي تستمر حتى بعد موت صاحبها، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، (رواه مسلم).
وقال العلماء: إن الصدقة الجارية هي الوقف؛ فالوقف سواء كان مسجداً أو مدرسة أو مستشفى بيطرياً، يعود على واقفه بالأجر المستمر في حياته وبعد مماته، ما دام ذلك الموقوف باقياً صالحاً للاستفادة منه.
لذا من السنة إذا صليت في مسجد أن تدعو لنفسك ولوالديك ولمن بنى المسجد، لأنك تتعبد بصلاتك فلك الأجر، وصاحب المسجد له الأجر لأنه كان سبباً في أن تأتي إلى المسجد وتصلي قربة لله، وهكذا المستشفيات والمدارس والجمعيات الخيرية التي كانت سبباً في مشاركة الناس في فعل البر.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء»، (رواه مسلم).
نعم.. والجميل في الإسلام أنه يعمل لمصلحة البشر دائماً، فالمسلم إذا عمل الخير أخذ أجره كاملاً، وإذا توقف عن عمل الشر أخذ أجراً واحداً، وإذا لم يعمل الخير ولكنه نوى ثم لم يتوفق لفعله، فإنه يأخذ أجراً واحداً على نيته فقط، وفي ذلك وردت أحاديث.
وإننا عندما نتحدث عن الوقف أو الوصية فإننا نتحدث عن عمل تسبب فيه صاحبه في حياته ونوى أن يستمر أجره فيما بعد حياته، فهو إذن له أجره وله أجر فاعله بعد موته.
يقول العلامة العز بن عبدالسلام: «لا يثاب الإنسان ولا يعاقب إلا على كسبه واكتسابه، ولا يكون إلا بمباشرة أو بتسبب قريب أو بعيد، قال تعالى: «إنما تجزون ما كنتم تعملون»، وقال أيضاً «ولا تكسب كل نفس إلا عليها».
ثم يقول معقباً على حديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» إلى آخر الحديث. «فهو ينال ثوابه على الطاعة التي يقوم بها مباشرة، وينال ثواب المستثنيات من كسبه كالعلم والصدقة الجارية والولد الصالح، لأنه كان سبباً في تلك القربات فله أجر التسبب، كما لو شفع إنسان لفقير في كسوة أو في العفو عن زلّة، كان للشافع ثواب الشفاعة في العفو والكسوة، وكانت مصلحة الكسوة والعفو للفقير»، (انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج1 ص99).
والشيء بالشيء يذكر فإن الإنسان عندما يصاب بمصيبة يقال له: أنت مأجور إن شاء الله على هذه المصيبة، ولكننا نقرأ للعز بن عبدالسلام كلاماً جميلاً حول هذا الاعتقاد حيث يقول: «وقد ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور على مصيبته، وهذا خطأ صريح، لأن المصائب ليست من كسبه بمباشرة ولا تسّبب فكيف يؤجر عليها؟ فمن قُتِلَ ولده أو أصيب ببلاء في جسده فليست هذه المصائب من كسبه ولا تسبُّبه حتى يؤجر عليها، بل إن صبر عليها ولم يجزع كان له أجر الصابرين، وإن رضي بها كان له أجر الراضين».
يقول العز: «فهو لم يؤجر على المصيبة لأنها ليست من عمله، وبناء على هذا فإن قوله عليه الصلاة والسلام: «من عزّى مصاباً فله مثل أجره أي مثل أجره في الصبر»، (انظر قواعد الأحكام ج1 ص99 - 100).
وأما الوقف فمن عمل الإنسان الذي يؤجر على فعله وعلى فعل من استفاد من ذلك الوقف؛ لأنه كان سبباً فيه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"