عادي

بين الوصية والوقف

21:45 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

هناك علاقة بين الوصية والوقف ورغم أن كليهما يدخل في باب التبرع، إلا أن الوصية في اللغة من الفعل وصيت الشيء بالشيء أصيه، أو وصيت (بتشديد الصاد) إيصاء، أي وصلته.
وفي اصطلاح الفقهاء هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، أو تبرع بحق مضاف لما بعد الموت (انظر البدائع للكاساني ج7 ص330، وانظر مغني المحتاج، ج3 ص39).
والوقف في اللغة العربية هو الحبس، فيقال وقف فلان الدار أي حبسها في سبيل الله تعالى، والوقف يأتي بمعنى المنع والسكون أيضاً.
والوقف عند الفقهاء «حبس العين على حكم ملك الله تعالى، وصرف منفعتها على من أحب، أو حبس العين على حكم ملك الوقف، والتصدق بالمنفعة». (انظر حاشية ابن عابدين ج3 ص357، 358).
أو أنه «إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه»، (انظر منح الجليل ج4 ص34 من كتب المالكية).
أو أنه تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع عينه بقطع تصرفه وغيره في رقبته، يصرف ريعه إلى جهة تقرباً إلى الله تعالى (انظر الإنصاف ج7 ص3، وانظر مغني المحتاج ج2 ص376).
لاحظ الفرق بين تعاريف الوصية، وتعاريف الوقف، تجد أن الوصية لا يستفيد منها الموصى له إلا بعد موت الموصي، وتكون بالأشياء العينية، ويمكن أن تكون بالمنفعة، أما الوقف فينتفع به الموقوف له أو عليه في حياة الواقف، ويكون ارتباطه بوجود ذلك الشيء طول وجوده، ولا يكون الوقف إلا بالمنفعة.
ولاحظ أيضاً أن في كل من الوصية والوقف معنى التبرع، فهو في الوصية يتبرع بشيء عيني كالأرض أو النقد، أو يتبرع بالاستفادة من بيت مثلاً.
وفي الوقف لا يتبرع بالأصل كأصل البيت مثلاً، بل بالانتفاع به كالسكن مثلاً.
والوقف مشروع لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له»، (رواه مسلم).
والوقف عند أبي حنيفة جائز، وتصرف منفعته إلى جهة الوقف مع بقاء العين على حكم ملك الواقف، وعنده يجوز للواقف أن يرجع عنه حال حياته، مع الكراهية وعندئذ يعود مالاً للورثة.
وعند المالكية لا يصح له الرجوع في وقفه، إلا إذا شرط لنفسه الرجوع أو البيع إن احتاج، فإن له ذلك (انظر الشرح الكبير ج4 ص82).
ويقول الفقهاء بأن الوقف قربة اختيارية، بمعنى أن للواقف أن يضعها فيمن يشاء وبالشكل الذي يريده هو، وله أن يشترط بما يريد عند الوقف، لكن بشرط أن لا يكون مخالفاً للشرع (انظر حاشية ابن عابدين ج3 ص 361 و416، وانظر الشرح الكبير ج4 ص88، ومغني المحتاج ج2 ص 386، والإنصاف ج7 ص65)، فلو شرط الواقف أن لا يعزل القاضي أو الحاكم من عينه والياً على الوقف، فإن هذا الشرط باطل عند الحنفية، إذ ربما هذا الوالي يكون خائناً فيجب عزله، ويجوز للواقف أن يشترط في وقفه المساواة بين الموقوف عليهم، أو تفضيل بعضهم على بعض، وقد ذهب الحنابلة وبعض الحنفية إلى جواز أن يشترط الغلّة لنفسه، واستدلوا بما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه لما وقف قال: «لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً غير متولد منه»، (رواه البخاري).
وناظر الوقف يتبع ما اشترطه الواقف لنفسه، وقد ورد في ذلك أن عمر رضي الله تعالى عنه جعل وقفه إلى ابنته حفصة تتولاه ما عاشت، ثم إلى ذوي الرأي من أهلها (أخرجه البيهقي في السنن الكبرى) ويشترط في الناظر الأهلية والعدالة والكفاية، وقد قال المالكية بأن ناظر الوقف إن كان سيء النظر غير مأمون فإن للقاضي عزله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"