حدثان ودعوتان إلى السلام

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

حدثان مسيحيان مهمّان شهدتهما المنطقة العربية خلال الأسبوع الماضي أولهما في لبنان، حيث وجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كلمة سياسية بامتياز، في سابقة استثنائية، طالب فيها بعقد مؤتمر دولي يتبنّى حياد لبنان، واصفاً الواقع اللبناني ب «إننا نواجه حالة انقلابية في كل الميادين في لبنان»، والحدث الثاني يتمثّل في زيارة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان للعراق، الذي قال للعراقيين عشية توجّهه لبغداد: «أتيتكم حاجاً تائباً لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب»، وتم تنظيم الحدثين وسط انتشار السلالة الثانية لفيروس كورونا، وأزمة حادة بين الولايات المتحدة وإيران، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن إيران هي القاسم المشترك بين لبنان والعراق بسبب تأثيرها القوي من خلال الطائفة الشيعية في البلدين، وبذلك يأخذ الحدثان منحى سياسياً، شئنا أم أبينا.

 لبنان الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، حيث انهارت العملة الوطنية مقابل الدولار، ما أدى إلى جنون في الأسعار، كما يعاني أزمة سياسية بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، الذي يواجه صعوبات في تأليف حكومته بسبب شروط وشروط مضادة بين الطرفين، ناهيك عن الفساد الذي ينخر مفاصل الدولة. وجاءت كلمة البطريرك الراعي لتزيد حالة التوتر السياسي والاقتصادي بسبب مطالبته بحياد لبنان، والنأي بنفسه عن الصراعات في المنطقة، وإبقاء السلاح في يد الجيش اللبناني فقط، ما يعني انسحاب مقاتلي «حزب الله» من سوريا ونزع سلاحه، في مطالبة ليست الأولى من نوعها، وهذا ما فهمته قيادة «حزب الله» اللبناني، إذ قال أحد القيادات «إن رأس الحزب هو المطلوب».

 والعراق، شأنه شأن لبنان، بلد طائفي يضم أكثر من عشرين طائفة من بينها المسيحية، يعاني حروباً دينية طاحنة منذ سقوط صدام حسين في العام 2003، كما يعاني فساداً في مؤسسات الدولة نظراً لتعدد الأحزاب والميليشيات المسلحة التي تزاحم الدولة على سيادتها، والكبيرة منها مدعومة من إيران، مثل الحشد الشعبي، وحزب الله العراقي، وأحزاب أخرى صغيرة، وما يزيد الأمر سوءاً محاولة انفصال إقليم كردستان وعزمه على إقامة دولة كردية مستقلة ذات سيادة.

 المسيحيون في لبنان خاضوا حرباً أهلية منذ العام 1975 حتى العام 1990، وكانت سياسية أكثر منها دينية، وتقول قياداتهم إن الحرب كانت دفاعاً عن الوجود المسيحي رغم احتلالهم مناصب عليا في الدولة، بينما المسيحيون في العراق لم يحملوا السلاح ولم يخوضوا حرباً طاحنة ضد «داعش» وأقرانه، بل كانوا ضحية العمى العقائدي والمذهبي، حتى إنهم تعرضوا لما يشبه الإبادة. 

وقال رئيس أساقفة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، بشار متى في 29 مايو 2019 ل «بي بي سي»، إن المسيحيين العراقيين على «وشك الانقراض بعد 1400 عام من الاضطهاد»، وقال إن عدد المسيحيين تضاءل منذ الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بصدام حسين في العام 2003 بنسبة 83%، من حوالي مليون ونصف إلى 250 ألف مسيحي فقط في العام 2019. أما بالنسبة لمسيحيي لبنان فقد تراجعت نسبتهم من 58% في العام 1932 إلى 30% في العام 2018.

 بابا الفاتيكان يدعو للسلام في العراق والمنطقة لأن «الجميع أخوة»، والبطريرك الراعي أيضاً يدعو لإحلال السلام في لبنان، بينما السلام الذي يتحدث عنه الزعيمان الروحيان يصطدم بقوة واحدة تتحكم في سياسات الدولتين، لبنان عن طريق «حزب الله» المدعوم من إيران، والعراق عن طريق «الحشد الشعبي» المدعوم من إيران، وبهذا لو أراد البابا حل الأزمة جذرياً، عليه القيام بزيارة إلى إيران، وعلى الرغم من صعوبة تنفيذ هذه الزيارة، إلا أن وجود البابا في العراق كما نعتقد، هو رسالة قوية لإيران للتوقف عن العبث بالسلم الأهلي والاستقرار الحكومي، وبالتالي تشمل الرسالة أذرع إيران في العراق ولبنان، كما تشمل المسيحيين أنفسهم بألا يغادروا بيوتهم وأراضيهم، ويصمدوا في وجه «الانقراض».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"