عن التغيير والتطوير والتنمية

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

ينشغل المفكرون الاستراتيجيون بمصطلح التغيير كمنهج للتطوير والتحسين، والانطلاق من مرحلة متخلفة إلى أخرى متقدمة، أو من مرحلة جيدة إلى مرحلة أكثر جودة، ويكتبون منذ زمن بعيد أطروحات فكرية تبرر لجوئهم إلى التغيير للوصول إلى واقع أحسن أو مستقبل أكثر جمالاً. ولا شك أن هؤلاء المفكرين يميزون بين مصطلحي التطوير والتغيير، إلا أن بعضهم يشترط التغيير ضرورة للتطوير، وهذه الفئة تكاد أن تكون متطرفة فكرياً بحيث تطرح الجديد كحل أمثل للتغيير، بينما ليس بالضرورة أن تكون النظرية صائبة في كل الحالات، خاصة عندما يقصدون بالتغيير بناء نظام جديد كلياً على أنقاض نظام قديم، أي استخدام نهج الهدم والبناء.

  هناك تفرعات كثيرة للنظرية أو التعامل مع المصطلحين، فالتغيير الإداري يختلف عن التغيير السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي البنيوي، وبالتالي لكل حالة من الحالات حيثيات وظروف يجب أن تؤخذ في الحسبان، لكن التغيير الإداري بهدف التطوير لا يمكن أن يتم وفق مبدأ الهدم والبناء وإنما وفق خطوة إعادة الهيكلة وإعادة تشكيل الإدارات والأقسام في إطار المؤسسة، وهذا ما تقوم به المؤسسات المدنية بين فترة وأخرى للوصول إلى شكل يساعدها على مواصلة الانطلاق نحو تحقيق الجودة والتميّز، وليس الانطلاق من الصفر.

   السياسيون والعسكريون لهم منطق مختلف ونظرة مغايرة عن المدنيين بشأن التغيير، لهذا يلجؤون إلى الانقلابات البيضاء أو الحمراء، وفي كلتا الحالتين يقومون بتغيير جذري للنظام السياسي، فينتقلون من الملكية، على سبيل المثال، إلى الاشتراكية، أو من الجمهورية الملكية إلى الديمقراطية. ولم يحدث تغيير من هذا النوع إلا وصاحبته اعتقالات وتصفيات بالجملة، فالجديد لا يثق بالقديم ولا بد من حبسه أو قتله.

   لقد شهدت المنطقة العربية انقلابات كثيرة في القرن العشرين، حتى إن بعض الدول كانت تشهد انقلاباً كل ثلاثة أشهر، ولم تكن تلك الانقلابات بدافع الوطنية بقدر الدوافع الشخصية أو ترجمة لتدخلات خارجية أو تحالفات إقليمية، ما نشأ عنها حال من الضغينة الاجتماعية والسياسية لا تزال الدول حتى اليوم تكابد نتائجها التدميرية، والغريب أن عهد الانقلابات انتهى مع قيام نظم شمولية، وحين حانت لحظة التغيير بعد طول انتظار، وقعت الفوضى والمعارك الدموية وانشقت المجتمعات وتشققت وتفسخت، وجاءت الأحزاب المتطرفة لتقطف الثمار.

  التغيير السياسي يجب أن يكون جمعياً وليس فردياً، أي يعبّر عن تطلعات الشعب والجمهور وليس الأفراد أو فئة معينة، وبما أنه لم يكن كذلك، فلم يتحقق التطور في عدد كبير من الدول العربية، إن كانت في بلاد الشام أم منطقة الهلال الخصيب أو في شمال إفريقيا، لأن فلسفة التغيير جاءت على دبابة وليست من خلال المؤسسات المدنية التي تجسد وعي المجتمع، ولا تزال هذه الدول تعاني سوء التنمية، والفشل في تحويل المجتمعات إلى مجتمعات صناعية أو معرفية، وكان من الطبيعي أن تثقل الديون كاهلها، وتبقى في حاجة إلى الآخر المتطور والمتقدّم، الذي لا يقدم خدماته مجاناً.

  لقد تعرضت دول الخليج لموجات من التغيير الهادئ الحامل في ثناياه التطوير، وجاء التغيير السياسي أشبه بإعادة هيكلة المؤسسات المدنية، وبالتالي كان التطوّر تصاعدياً، والإمارات العربية المتحدة، كنموذج للتطور في إطار فلسفة التغيير المستندة إلى إعادة الهيكلة والقائمة على استراتيجيات بعيدة المدى، تحولت إلى نموذج للتغيير والتنمية المستدامة، بفضل الانسجام في الحركة نحو المستقبل، فكل تغيير أو تطوير هو محاكاة للمستقبل المعروف بدقة متناهية، إذ لم يعد مسموحاً في هذا العصر، أن توضع استراتيجيات مبنية على الاحتمالات، وإنما على السيناريوهات وإدارة الخطط الرئيسية والبديلة. 

ومن هنا يمكن استخلاص نظرية التطوير من خلال التغيير الإيجابي الجماعي، حيث يتحول المشهد إلى سيمفونية بديعة، يحفظ كل عازف دوره فيها لكتابة النغم الخالد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"