سرّ العندليب

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

البعض يرحل وهو مازال على قيد الحياة، والبعض يبقى حياً رغم الرحيل. 
44 عاماً من الغياب ومازال العندليب حاضراً، كيف؟ حين نقول 44 عاماً مرت على وفاة عبدالحليم حافظ، فهذا يعني أن أكثر من جيل تعاقب منذ انطلاقته في الفن، وحتى يومنا هذا، والكل عرف وغنّى حليم، ولا نستغرب أن يستمر هذا الود الموصول بينه وبين الأجيال اللاحقة. 
رحل، ولم يرحل.. غريب أمر هذا النجم الذي لم يولد في وسط فني متعب أو ميت فأحياه، بل ولد وسط نجوم كثر سبقوه، وآخرين جايلوه، حفر اسمه وسط مشاهير في الغناء والتأليف والتلحين والتمثيل، ويوم كانت «العبقرية» من سمات الزمن، ويوم كانت المنافسة في الوسط الفني شرسة والمستفيد هو الجمهور.. محمد عبدالوهاب، محمد فوزي، فريد الأطرش، أم كلثوم، ليلى مراد، وعبد الحليم من بين القائمة الطويلة، فكيف استطاع هذا الشاب أن يتماشى بغنائه مع كل الأجيال، ويرحل شاباً ويبقى عندليب الأغنية العربية، يعرفه كل العشاق، ويعشقه كل من يعرفه؟ 
لا شك في أنها «الكاريزما» التي تمتع بها عبدالحليم، فجعلته «نجم الجماهير»، خصوصاً أن حضوره كان خفيفاً ومحبباً على الشاشة، وأفلامه كلها نجحت؛ لكن هل يبلغ تأثير الكاريزما مداه حتى يطال الأجيال الجديدة وصاحبها تحت التراب من عشرات السنين؟ ولماذا لا يجدد الجمهور والمؤسسات ذكرى محمد فوزي مثلاً، مثلما يعيدون إحياء ذكرى العندليب في الثلاثين من مارس/ آذار من كل عام؟ رغم أن فوزي كان عبقرياً خلق خطاً فنياً لنفسه، وترك علامات مميزة في الأغنية العربية.. ومَن مِن الكبار والصغار في العالم العربي لا يردد «ماما زمانها جاية»، وكان ظريفاً وجميلاً على الشاشة؟ 
إنه سر العندليب الأسمر، بل هو سره الحقيقي، وليس كمثل الأسرار التافهة التي تسعى بعض الصحف والمجلات إلى النبش فيها للاسترزاق، وأولها «سر زواج حليم وسعاد حسني»، الذي قد يكون أكثر الأسرار تداولاً، وبحثاً، وجدلاً، على السوشيال ميديا وفي الإعلام. 
هناك سر آخر يمكن التوقف عنده والبحث في تفاصيله، وهو كيف يمكن لفنان أن يعيش في قلوب الناس وقد صار تحت التراب منذ سنوات، بينما نرى من يطلقون على أنفسهم «نجوماً» يهبطون بمستواهم تحت التراب وهم ما زالوا على قيد الفن أحياء؟ الحل ليس لغزاً، ولا صعباً، ولا أعتقد أن هناك من يعمل اليوم ليحيا بفنه أبداً، والكل مهووس بالشهرة السريعة التي تشبه الوجبات السريعة، تعجبك لحظة تذوّقها، ثم تنسى طعمها سريعاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"