سيمفونية «القاهرة كابول»

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

ليس من العدل أن تحكم على عمل من أول إطلالة له، هذا صحيح إن كنت أمام عمل لم تستشف بعد ملامحه لأنه جاء متأرجحاً بين المقبول وغير المرغوب، غير واضح الهوية ولم يعرف صنّاعه كيف يضعون الخلطة السحرية التي تجذبك إليه وتربطك به منذ الحلقة الأولى وتجعلك تتمنى لو أنها لا تنتهي أو أن باقي الحلقات تسترسل سريعاً في سرد أحداثها بلا توقف وأنت جالس تستمتع. 
عدل وإنصاف أن تحكم منذ المشهد الأول، وليس فقط الحلقة الأولى، على بعض الأعمال التي تشاهدها، وعلى رأسها «القاهرة كابول» الذي يتخطى مرحلة المنافسة الرمضانية سريعاً ويقف عالياً في منطقة يصعب أن يجد من ينافسه فيها. 
«القاهرة كابول» عمل استثنائي بكل ما فيه. بطله الأول، الكاتب عبد الرحيم كمال الذي يقدم لنا قصة غير روتينية ولا مكررة، جمع فيها النماذج الأربعة التي تجسد القوى المسيطرة على العالم: الإعلام، والمخابرات، أو الأمن، والفن، وتحديداً السينما، والإرهاب. ذكي في كتابته، يبرئ ذمته بأن الشخصيات من صنع الخيال، وهي كذلك فعلاً، لكنه عرف كيف يرسمها بحرفية عالية كي تفهم وحدك إلى من ترمز بشكل واضح لا شك فيه، فلا يمكنك أن ترى في شخصية رمزي التي يجسدها طارق لطفي سوى «أسامة بن لادن» بكل تفاصيله. 
المسلسل يشدك وتتمنى إعادة مشاهدة كل حلقة لثراء الحوار فيه. المخرج حسام علي على قدر مسؤولية هذه المهمة، يحرك الكاميرا وفق رمزية المشهد، فيصلك المعنى مباشرة، خذ مثلاً مشهد تعليم «الشيخ غريب» للطفل رمزي وهو يغرس فيه بذور التطرف، فتصور الكاميرا رمزي من خلف رأس غريب، فيبدو هذا الأخير عالياً والطفل أدنى منه، ليؤكد لك كيف يحكم هذا الرجل سيطرته على عقل الطفل الذي ينظر إليه بانبهار ولا شك يراه «كبيراً وعظيماً». 
الممثلون جوقة تتكامل في الأداء لتشكل السيمفونية الدرامية الرائعة. طارق لطفي، خالد الصاوي، فتحي عبد الوهاب، وأحمد رزق الذي يغادر مبكراً، رباعي متميز يرفع من مستوى العمل والتحدي. 
ما زلنا في البداية والحلقات التالية لا بد تخبئ مفاجآت كثيرة وأحداثاً مثيرة، لكن لا يمكن تأجيل الكلام عن هذه التحفة الدرامية وتأجيل الإشادة بالمسلسل وصنّاعه وكل تفصيلة فيه، حتى الديكور والملابس وتتر البداية، ولا يمكن تأجيل تهنئة صنّاعه وأبطاله على النجاح، وتهنئة أنفسنا بهذا المستوى الراقي والعالي من الدراما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"