عادي

عذب الكلام

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لغتنا العربية، يُسر لا عسر فيها، تتميز بجماليات لا حدود لها ومفردات عذبة تخاطب العقل والوجدان لتمتع القارئ والمستمع، تحرك الخيال لتحلق به في سماء الفكر المفتوحة على فضاءات مرصعة بدرر الفكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس في بناء ذائقة ثقافية رفيعة، نبدأ في نشر زاوية أسبوعية جديدة تضيء على بعض أسرار لغة الضاد الساحرة.

في رحاب أم اللغات

في بلاغةِ أدبنا، التشبيهُ المقلوبُ، وهو جعلُ المشبَّهِ بهِ مشبَّهاً، لإظْهار أَنَّ وجه الشّبهِ فيه أَقوَى وأَظهرُ؛ ومنهُ قولُ البُحتريّ، في تشبيه الغزال:

أيْنَ الغَزالُ المُستَعيرُ مِنَ النّقا

                         كَفَلاً ومِنْ نورِ الأقاحي مَبْسَما؟

وقولُ عبدالله بن المعتزّ في تشبيه الهلال:

ولاحَ ضَوْءُ قُمَيْرٍ كادَ يَفْضَحُنا

                         مِثْلُ القُلامَةِ قَدْ قُدَّتْ مِنَ الظِّفْرِ

وقولُ ابن المعتزّ:

والصُّبْحُ في طُرّةِ لَيْلٍ مُسْفِرِ

                           كأنّهُ غُرّةُ مُهْرٍ أشْقَرِ

دُررُ النّظم والنّثْر

من كتاب «زهر الآداب وثمر الألباب» لأبي إسحاق الحُصْري:

«قال بعضُ الحُكَماء: الحِكْمةُ مُوقِظةٌ للقلوبِ مِن سِنَةِ الغَفْلة، ومُنقِذةٌ للبَصائرِ مِن سَكْرةِ الحَيْرة، ومُحْيِيةٌ لها مِن موتِ الجَهالة، ومُستخرِجةٌ لها مِن ضِيقِ الضَّلالة. والعِلْمُ دواءٌ للقلوبِ العَلِيلة، ومِشْحَذٌ للأذهانِ الكَلِيلة، ونُورٌ في الظُّلْمة، وأُنْسٌ في الوَحْشة، وصاحبٌ في الوَحْدة، وسَمِيرٌ في الخَلْوة، ووُصْلةٌ في المَجْلِس، ومادَّةٌ للعقل، وتَلْقِيحٌ للفَهْم، ونافٍ للعِيِّ المُزْرِي بأهلِ الأحساب، المُقَصِّرِ بذوي الألباب.

قالَ بعضُ العُلَماء: العُقولُ لها صُوَرٌ مِثْلُ صُوَرِ الأجسام، فإذا أنتَ لمْ تَسْلُكْ بها سبيلَ الأدبِ حارَتْ وضَلَّتْ، وإنْ بَعَثْتَها في أودِيَتِها كَلَّتْ ومَلَّتْ، فاسْلُكْ بعقلِك شِعابَ المعاني والفَهْم، واسْتَبْقِهِ بالجِمامِ للعِلْم، وارْتَدْ لعقلِك أفضلَ طَبَقاتِ الأدب، وتَوَقَّ عليه آفةَ العَطَب؛ فإنَّ العقلَ شاهدُك على الفَضْل، وحارسُك منَ الجهل.

اعلَمْ أنَّ مَغارِسَ العُقولِ كمَغارِسِ الأشجار؛ فإذا طابَتْ بِقاعُ الأرضِ للشَّجرِ زَكا ثَمَرُها، وإذا كَرُمَتِ النُّفوسُ للعُقولِ طابَ خَيْرُها، فاغْمُرْ نَفْسَك بالكَرَم، تَسْلَمْ منَ الآفةِ والسَّقَم. واعلَمْ أنَّ العقلَ الحسَنَ في النَّفْسِ اللَّئيمة، بمنزلةِ الشَّجرةِ الكريمةِ في الأرضِ الذَّميمة؛ يُنْتَفَعُ بثَمَرِها على خُبْثِ المَغْرِس، فاجْتَنِ ثَمَرَ العُقولِ وإنْ أتاكَ مِن لِئامِ الأنْفُس».

من أسرار العربية

الصَّدْرُ: أوّلُ كلِّ شيءٍ. الفاتِحَةُ: أوّلُ الكِتاب. الشَّرْخُ والرَّيْعَانُ: أوّلُ الشّباب. الرَّيِّقُ: أوّلُ المطَرِ. الحِدْثانُ: أوّلُ الأمْرِ. القَرْنُ: أوّلُ الشَّمْسِ. الغُزَالَةُ: أوّلُ الرِّيحِ. الغَزَالَةُ: أوّلُ الضُّحَى. التَبَاشِيرُ: أوّلُ الصُّبْح. الغَلَسُ والْغَبَشُ: آخِرُ ظُلْمَةِ اللَّيلِ. البرَاءُ: آخِرُ لَيْلَةٍ منَ الشَّهرِ. الخاتِمَةُ: آخِرُ الأمْرِ.

الحَصَى: صِغَارُ الحِجارَةِ. الفَسِيل: صِغَارُ الشَّجرِ. الأشَاءُ: صِغَارُ النَخْلِ. البَهْمُ: صِغَارُ أوْلادِ الضَّأنِ والمَعِزَ. الحَشَراتُ: صِغَار دَوابِّ الأرْضِ. الزَّغَبُ: صِغَارُ رِيشِ الطَّيْرِ. اللَّمَمُ: صِغَارُ الذُّنُوبِ. الخَصَاصُ: الثُّقْبُ الصَّغِيرُ. النُّبْلةُ: اللُّقْمَةُ الصَّغيرَةُ. القَارِبُ: السَّفِينَةُ الصغيرَةُ. القَرْنُ: الجَبَلُ الصَّغيرُ.

هفوةٌ وتصويبٌ

يقول بعضُهم «نأمَل أنْ يَصلُحَ الأَمُرُ». بفتح ميم نأمل، والصّوابُ: نأمُل، بضمّها، وإضافة الباء إلى أن «نأمل بأن» يقال: أَمَل خَيْرَهُ يأْمُلهُ أَمْلاً، وأَمَلاً، أي رجا ذلك. ويقول آخرون «وهناك مَشاكلُ كثيرة»، جمعاً ل«مُشْكِلة»، والصّوابُ «مُشْكِلات»، لأن المؤنّثَ، لا يُجمعُ جمعَ تكسير، بل جَمعَ مؤنّثٍ سالماً. ويقول بعضُهم: «تأسّس المركز عام...»، والصّواب «أُسِّسَ» بالبناء للمجهول، لأنّ المركزَ، لا يؤسِّس نفسَه، أو نحدّدُ فاعلَه، فنقولُ: «أسَّستِ الإدارةُ أو فلانٌ.. المركزَ عام..». ويقولون «وكانَ أمْراً مُلفتاً للنّظَرِ»، وفيه هفوتان، الأولى مُلفت، والصّواب «لافِت»، لأنّ اسمَ الفاعل من الثلاثي يُصاغ على وزن «فاعل»، والثانية «للنظر»، فإيرادُها حشْوٌ لا ضرورة له، ويكفي أنْ نقول «أمْرٌ لافِتٌ».

من أمثال العرب

أنْتَ في مَعْشَرٍ إنْ غِبْتَ عَنْهم

                          بَدّلوا كُلّ ما يَزينُكَ شَيْنا

وإذا ما رَأَوْكَ قالوا جَميعاً

                          أنْتَ مِنْ أَكْرَمِ البَرايا عَلَيْنا

البيتان لبشّار بنِ بُرد، يَسْتَنْكِرُ فيهما النّفاقَ والخِيانَةَ، ويصوّرُ القُبح الذي يتّصفُ بهِ الخائنُ والمنافقُ، وهاتانِ الصفتان من أسوأ ما يمكن أن يكون عليهما أيُّ إنسان، فالظهورُ بوجوهٍ متعدّدة، أو التلوّن في الأشكال والأفعال، أمران معيبان مخزيان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"