تدور رواية «يوميات الكاهن الأعظم إيفان سيرجيفيتش» لمؤلفها دميتري ستريشنيف، ترجمة د. محمد نصر الجبالي وعادل محمد صديق، حول عالم روسي متخصص في دراسة المصريات، اضطرته الظروف إلى السفر لمصر، مع مجموعة من السائحين الأثرياء العاطلين عن العمل، المهووسين بالسحر والغيبيات، وسرعان ما يفهم بطل الرواية أن لديهم أغراضاً أخرى إجرامية، وهنا تبدأ المغامرات في الرواية.
يرى نقاد وكتاب في روسيا أن انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 دشن بداية مرحلة جديدة في تاريخ الأدب الروسي، اصطلح على تسميتها «الأدب الروسي المعاصر» وشهدت تلك الفترة – بالإضافة إلى التحولات الاجتماعية - انشقاقاً في اتحاد الكتاب السوفييت، ويعيش الأدب هناك مرحلة انتقالية جديدة في تاريخه، تشبه تلك التي عاشها في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انتقال الأدب الروسي من مرحلة سيطرت فيها الرقابة على الإبداع في الحقبة السوفييتية إلى مرحلة جديدة استفاد فيها الأدب كغيره من الفنون من أجواء حرية التعبير.
شهد النصف الأول من تسعينات القرن العشرين ثورة أدبية روسية، فقد تم إلغاء الرقابة تماماً، وإعلان سياسة المكاشفة والعلانية، وأدى ذلك إلى ترجمة الكثير من الأعمال الأدبية الأجنبية إلى الروسية، كما عاد إلى الاتحاد السوفييتي الكثير من الأدباء الروس الذين تم نفيهم أو هاجروا إلى الخارج أو منعت كتبهم من النشر في السابق، وقد أطلق على كتب هؤلاء «الأدب العائد» ومنهم على سبيل المثال رواية «أرخبيل الجولاج» لسولجنتسين و«دكتور زيفاجو» لبوريس باسترناك ورواية «المعلم ومارجريتا» لميخائيل بولجاكوف، وقد استفاد الأدب الروسي من غياب الرقابة، وانطلق بحرية يتناول كل القضايا، ويجرب نفسه في مختلف الأجناس الأدبية.
4 أجيال
يوضح د. نصر الجبالي أن الأدب الروسي المعاصر، يتسم بسيطرة موضوعات الحوار بين الحضارات والثقافات عليه، حيث يلتحم الكتاب الروس في فضاء واحد مع الكتاب المعاصرين في العالم، كما يتسم بغياب المنهجية الواحدة أو الأسلوب الواحد، وأخيراً يتميز الأدب المعاصر بكونه يجمع أكثر من جيل من الكتاب، حيث يجمع النقاد على أن هناك أربعة أجيال من الكتاب، ينشطون حالياً على الساحة الأدبية: الجيل الأول هو جيل الستينات الذي بدأ في الكتابة فترة ذوبان الجليد، ويعتبر هؤلاء اليوم من الكتاب الكلاسيكيين في الأدب المعاصر.
أما الجيل الثاني فهو جيل السبعينات، وقد بدأ أبناؤه الكتابة في أجواء الرقابة والمنع، وهؤلاء يرون أن الإنسان بطبيعته جيد، لكن الظروف المحيطة هي السيئة، ومع البرسترويكا ظهر الجيل الثالث وقد بدأ أفراده في العمل دون رقابة، وقاموا بالتجريب في مختلف الفنون، خصوصاً تلك التي كانت محظورة في السابق، أما الجيل الرابع فبدأ نشاطه في نهاية التسعينات، وأغلبه من الكتاب الشباب.
ومن الظواهر اللافتة انتشار الجوائز الأدبية، التي تلعب دوراً في اكتشاف الأسماء الجديدة، وحالياً هناك العديد من الجوائز الأدبية في روسيا، يقدر عددها بالمئات، ومنها جائزة البوكر الروسية، التي تأسست عام 1991 وتعد أول جائزة غير رسمية منذ عام 1917.
وبعد أن مر الأدب بفترة انتقالية صعبة أخذ في التطور المتواصل فصار أكثر إمتاعاً، وظهر التجريب، وتم طرح مواضيع جديدة، واليوم يتوزع الأدب بين اتجاهات متعددة، منها الواقعية الجديدة التي تتناول بشكل تقليدي القضايا الاجتماعية والأخلاقية في الحياة، ويتسم هذا الاتجاه بغلبة الفسيولوجي والفلسفي فيه، وتفعيل دور البطل الباحث عن حل للمشكلات، وتكرار الحوار بين المؤلف والقارئ.
تصوير الواقع
وهناك اتجاه ما بعد الواقعية ويعرفونه بأنه منظومة محددة للتفكير الفني، حيث يتم قبول الواقع بوصفه معطىً موضوعياً، وقد لوحظ في أعمال ما بعد الواقعية ابتعاد الكاتب عن الباعث الاجتماعي، مع منح الأولوية لتصوير الحياة الشخصية للإنسان ونظرته الفلسفية للعالم المحيط، وقد استمر هذا الاتجاه في ترسيخ أقدامه في الأدب الروسي المعاصر.
وهناك أيضاً الأدب الجماهيري الذي يتسم باستخدام خليط من الأكليشيهات المضمونية ومنظومة أجناس فنية صارمة مثل الأدب البوليسي والميلودراما والفانتازيا، وغيرها، وأحياناً يغيب تماماً موقف الكاتب في العمل الأدبي، ويتسم هذا الأدب أيضاً بتناول موضوعات تناقش الغرائز والرغبات، ولا يزال الأدب البوليسي يحتل الصدارة، نظرا لإقبال القراء عليه، وأصبحت الأعمال البوليسية تتضمن موتيفات تاريخية وساخرة وخيالية وفكرية.
ولا يحتل أدب السيرة الذاتية مساحة كبيرة، ويرجع ذلك إلى قلة إقبال القراء على هذا النوع من الأدب، بالإضافة إلى أن قيمته الأدبية ليست كبيرة، ومن أهم الاتجاهات الأدبية المعاصرة في روسيا اتجاه «ما بعد الحداثة» ويتمثل في إعادة تقييم المعايير الجمالية ومزج الأساليب واللغات والثقافات والاقتباسات الساخرة من التجارب الفنية العالمية.
