عادي
أعاد للقصيدة الإسبانية رونقها

لويس دي كوينكا يكتب الشعر في صندوق من الفضة

23:25 مساء
قراءة 3 دقائق

«منذ أكثر من ثلاثين عاماً أشار أستاذ كرسي معروف في جامعة سرقسطة إلى أنه لم يُكتب شعر في إسبانيا منذ جيل 27» هكذا يقرر الشاعر والناقد الأدبي الإسباني مانويل مارتينيث فوريجا في المقدمة التي كتبها خصيصاً للترجمة العربية لديوان لويس ألبرتو دي كوينكا وعنوانه «الأبواب السرية للجنة والجحيم» وقد ترجمه عن الإسبانية الشاعر أحمد يماني.

كان ذلك في نهاية حقبة الثمانينات عندما دافع الأستاذ الجامعي عن تأكيده ذلك، لكن قبل ذلك ببضعة أعوام حدث أمر فريد في ما يخص الشعر الإسباني في السنوات الأربعين الماضية، ألا وهو ظهور ديواني «صندوق الفضة» (1985) و«الحلم الآخر» (1987) وهما ينتهيان بإضفاء لمسة جمالية مغايرة.

ينتمي «لويس ألبرتو دي كوينكا» «صاحب العنوانين» السابقين إلى «جيل اللغة» الذي سيحدد المبادئ التوجيهية التي ميزت هذا الجيل، وعلى هامش الخلافات الرسمية لإسبانيا، ثنائية القطب ثقافياً واجتماعياً، والتي تغذيها وسائل الإعلام «مدريد مقابل برشلونة» والتي يمكن في سياقها تسجيل ملاحظة أن «جيل اللغة» يعارض تلك الأجيال التي أجّلت الثقافي من أجل الالتزام السياسي، جيل اللغة لا يدافع عن الجهل، كما كانت تفعل الأجيال السابقة، لكنه لم يبذل أي جهد جماعي للخروج منه.

فاز ديوان «صندوق الفضة» بجائزة النقاد عام (1986) ومثّل انقطاعاً فيما يتعلق بعمل الشاعر السابق، لكنه قبل كل شيء، كان يمثل أحد المسارات التي سيتبعها جزء كبير من الشعر الواقعي الجديد، فلم تكن قطيعة جمالية من أجل متابعة الموضة، على العكس من ذلك، ما فعله ديوان «صندوق الفضة» كان بداية موضة جديدة.

كان ألبرتو دي كوينكا نفسه قد حذر من أن الجمهور قد استبدل في مخياله الرمزي سوبرمان بزيوس، وهو مفهوم سيتوسع فيه في دراسته «البطل وأقنعته» (1991) والذي يكشف، عن أقنعة الأبطال ببراعة وذكاء، ويصف إزاحة الأساطير الكلاسيكية إلى حاضرنا، لإعادة تفسير معناها المعاصر.

يقول: «إن شعري يحمله إليّ النسيم الذي يهب من وقت لآخر في شارعي، إلى جانب روائح قديمة محرمة إلى حد ما، ومن الأغاني المنسية، ومن الأماني التي تسعى إلى التحقق، إن شعري تصويري، وهو شعر مفهوم، يبحث عن قوالب وزنية، منذ حوالي خمسة عشر عاماً، وبتوجيه من قراءاتي تخليت عن شعر البنيات المفتوحة، وبدأت في كتابة شعر آخر من البنيات المغلقة».

أساطير

في «الحلم الآخر» استمر دي كوينكا في الإشارة إلى الأساطير الجرمانية، ويمكن قول الشيء نفسه عن السينما الأمريكية في الخمسينات من القرن الماضي، ولن يتوقف عن إحاطة نفسه بالموضوعات التي تحدد سياقه الجمالي، ولن يتخلى عن الانعطاف نحو لغة أكثر مرونة، لغة أسهل وأبسط، عامية في بعض الحالات.

يرى مانويل مارتينيث فوريجا أن دي كوينكا يعالج بدرجات وظلال أقل حدة، لكن بكثافة «الموضوعات المعتادة» بلغة تزين عالمنا عديم الطعم، ويخرجنا من الافتقار إلى الملحمة والدراما، إنه يخزن بامتياز ما يجعلنا نعيش بحكمة وعاطفية - وبتهكم - ما يبدو أنه مغامرات لا طائل من ورائها.

ينظر إلى الشوارع ويرى فيها ما يمكن أن يحرمه علينا الآخرون، من خلال القصائد التي تضيء وتتألق في الظل، إنه يعرف كيف ينقذ بريقاً سريع الزوال، ندى غامضاً من باطن الأرض؛ إنه يعرف كيف يمنح محيطنا اللون البنفسجي الحزين لدوائر الألم المظلمة، وأن يصب اللآلئ، التي تسقط على العالم مثل دموع الهلاك.

يشير فوريجا، إلى أن الشعر الإسباني الحديث «غير المتجانس في الشكل والمضمون والباهت في أغلب الأحيان» لم يتمكن من إيجاد توليفة، لكن لويس ألبرتو دي كوينكا، تمكن من تجنب هذه الحيرة، من خلال وضع التعبير في قوالب كلاسيكية، من عصر النهضة، واستخدام لغة سهلة وسلسة؛ حيث يتعامل فيها مع الانشغالات الدائمة للكائن البشري.

يقول فوريجا: «هناك أكثر من سبب لاعتبار رسالته الشعرية هدية فاعلة تبتهج بكل قوته الغامضة، تطلعنا قراءته على اكتشافات للعاطفة، وغزو مؤقت عابر، وغزو سابق لأراضي تم تجاهلها، الحب في شكله وموضوعه، متنوع وجريء، كما يليق بروح مشبوبة بالعاطفة».

في المقابل، يدير لويس ألبرتو دي كوينكا، ظهره لواقع، تحكمه حصرياً براجماتية العقل السياسي، الذي يمنح نفسه طابعاً مسلماً به، ويخنقه ويقتله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"