أين كنا حين بدأت قضية المناخ تشق طريقها؟

22:04 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

قبل أن يقدم الدكتور جيمس هانسن، مدير معهد دراسات الفضاء التابع لوكالة ناسا الفضائية، في 23 يونيو/حزيران 1988، شهادته التاريخية أمام لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ الأمريكي، وملخصها: «إن الاحتباس الحراري وصل إلى مستوى يمكننا من خلاله أن نعزو بدرجة عالية من الثقة، السبب والعلاقة بين الاحتباس الحراري والاحترار الملحوظ؛ وإن أسباب هذه الظاهرة تعود إلى الاستغلال البشري لمصادر الطاقة الكربونية؛ وإن هذا يغير مناخنا الآن».. وقبل أن تُنشأ في نفس العام «الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ» - قبل ذلك التاريخ - وتحديداً بعد «الفورة» الاقتصادية التي أطلتهما طفرتا أسعار النفط (1973 و1979)، كانت بلدان العالم العربي، ومن ضمنها بلدان مجلس التعاون الخليجي، قد صارت في مواجهة مع حقيقة التحديات البيئية التي تطرحها مثل هذه الطفرات الاقتصادية غير التقليدية، مثل التصحر، وبداية انحسار التنوع البيولوجي، وتلوث المناطق البحرية والساحلية، وتلوث الهواء، وندرة المياه وجودتها، وبموازاتها مشكلة التغير المناخي التي بدأت هي الأخرى تُعلن عن نفسها. والأكيد، أن هذه التحديات جميعاً، مترابطة مع بعضها. فالتصحر، على سبيل المثال، يؤدي إلى ضياع التنوع البيولوجي، فيما تؤدي زيادة أعداد الماشية (المستوردة أساساً)، لتلبية الحاجات الاستهلاكية المتعاظمة للسكان، والرعي الجائر، إلى التصحر. كما يؤدي إلقاء النفايات إلى إطلاق غاز الميثان، مما يفاقم مشكلة الاحتباس الحراري، الذي يؤدي بدوره إلى التصحر وندرة المياه، والعديد من المشاكل البيئية الأخرى.

وفي غمرة النهوض العام الذي ميّز خصوصاً الاقتصادات الخليجية اعتباراً من منتصف سبعينيات القرن الماضي، لم يتم، كما هو الحال في كافة الدول النامية التي أطلقت محركاتها التنموية بعد استقلالها الوطني، إدراج الكلفة الإيكولوجية في خطط ومشاريع التنمية، فكان أن أدى ذلك إلى ارتفاع البصمة البيئية، في بلداننا العربية الخليجية إلى مستويات تتخطى المتوسط العالمي (يبلغ متوسط ​​البصمة البيئية العالمية 2.75 هكتار عالمي للفرد، بإجمالي 22.6 مليار هكتار. في حين بلغ متوسط ​​قدرة التحمل البيولوجية 1.63 هكتار على المستوى العالمي. هذا يعني أن هناك عجزاً عالمياً يبلغ 1.1 هكتار للفرد، أي مساهمة الفرد في الضغط على كوكب الأرض)؛ حيث بلغ متوسطها في دول مجلس التعاون أكثر من 8 هكتارات للفرد، بحسب تقرير صندوق الحياة البرية العالمي حول البصمة البيئية العالمية. من دون التقليل بطبيعة الحال من حقيقة أنه لا يمكن إلقاء كل اللوم في ذلك على مضخات النمو الاقتصادي؛ إذ من غير الإنصاف مقارنة البلدان الاستوائية مع الدول في المناطق القاحلة، لأن الظروف المناخية والضغوط على البيئة مختلفة للغاية.

هذا وغيره كثير من المؤشرات الدالة على حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرحها المشكلة المناخية على بلداننا العربية، ومنها بصفة خاصة بلداننا الخليجية كدول ما زال النفط يواصل دوره الحاسم في تحريك دورة نموها الاقتصادي، بما قد يضعها في مأزق حقيقي خلال عقد من الآن، من حيث أن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد بأن عصر الوقود الأحفوري ومن ضمنه النفط، قد تحوّل إلى طور الأفول.

وحدها، دولة الإمارات، من بين سائر البلدان العربية، التي قرأت هذه التحديات، مبكراً، قياساً ببقية دول مجلس التعاون. وباستثناء السعودية و عُمان اللتين وضعتا أقدامهما على طريق إنشاء بعض مشاريع باكورة قطاع الطاقات المتجددة، فإن بقية دول المجلس ما زالت مترددة ومتباطئة في بدء عملية تحولها الهيكلي، الطاقوي بشكل خاص.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"