تجارة الكربون في دول «التعاون» والفرص المتصاعدة

21:35 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

كانت النظرية الكلاسيكية للتقسيم الدولي للعمل، معنية بشرح وتفسير مفهوم الإنتاج الاقتصادي باعتباره عابراً للحدود ومستنداً في الأساس إلى قوة عمل متاحة في أماكن مختلفة من العالم؛ وهي وجهة نظر مؤسسة على النظرية الريكاردية (نسبة إلى عالم الاقتصاد البريطاني الكلاسيكي ديفيد ريكاردو)، القائلة بأن التمتع بميزة نسبية (سواءً تعلق بالأمر بدولة أو شركة)، يعتمد على القدرة على إنتاج منتَج نهائي بتكلفة فرصة بديلة أقل من منتج آخر. بينما يلزَم التمتع بميزة مطلقة، امتلاك القدرة على إنتاج سلعة باستخدام مدخلات أقل من منتِج آخر لنفس السلعة.

هذا التقسيم الكلاسيكي للعمل الذي وفرت له الفوردية (نظام تصنيع منسوب للصناعي ومؤسس شركة فورد للسيارات هنري فورد، مصمَّم لإنتاج سلع معيارية منخفضة التكلفة بكميات ضخمة باستخدام آلات وعمالة غير ماهرة، ومنح منتجيها من العمال أجوراً لائقة بما يكفي لشرائها)، الغطاء التطبيقي - تجاوزه الزمن منذ أمد بعيد، منذ سبعينات القرن الماضي، حين تغيرت المعطيات والطاقات والإمكانات الإنتاجية للدول والشركات، تمثلت في التغييرات التي طاولت الثقافات السائدة والأهداف والسياسات التنموية الجديدة في البلدان النامية، وتجسدت في التفكك الرأسي لعملية الإنتاج ونقلها من بلدان المركز الرأسمالي إلى بلدان أطرافه. في النظام الدولي القديم لتقسيم العمل الذي استمر إلى حوالي عام 1970، تم دمج البلدان النامية في الاقتصاد العالمي بشكل أساسي كدول موردة للخامات والمعادن والمنتجات الزراعية. التقسيم الجديد للعمل الذي فرض نفسه بعد ذلك، وعمقت العولمة تطبيقاته، يفسر بوضوح تام هذه التغييرات التي تمحورت حول التحول المكاني للصناعات التحويلية من البلدان الرأسمالية المتقدمة إلى البلدان النامية.

هذا ما فهمه الكثير من الدول النامية التي سارعت لأخذ مكانها في النظام الدولي لتقسيم العمل الجديد. دولة الإمارات العربية المتحدة، هي نموذج لهذه الدول، في سرعة «اختطافها» للفرص الجديدة المتصاعدة في الاقتصاد الجديد والتخصص فيها. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، نذكر منها في هذا المقام، على سبيل المثال لا الحصر، مسارعة الإمارات، لإنشاء البنية التحتية لسوق تجارة الكربون. هذا سوق واعد للأوراق المالية الخاصة، مختص بالاتجار في شهادات انبعاثات الكربون من قبل أعداد مهولة، ومتزايدة، من أرباب الصناعات وأرباب العمل في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تنتج عن أنشطتها انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الستة، وفي مقدمها غاز ثاني أكسيد الكربون. فقد استبقت دولة الإمارات قيام بلدان المنطقة العربية باستقطاب وتنفيذ مشاريع آلية التنمية النظيفة، وهي إحدى ثلاث آليات تضمنها بروتوكول كيوتو التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وذلك بإنشاء شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» في عام 2006، كأول شركة في المنطقة تُعنى بتنفيذ مشاريع آلية التنمية النظيفة، لاستثمار شهادات خفض الانبعاثات الناتجة عن تنفيذها، بما يحقق هدف خفض الانبعاثات على المستوى الكلي العالمي.

كما تأسس مركز دبي للتميز للكربون «دبي كربون» في 18 يناير 2011، بموجب اتفاقية بين المجلس الأعلى للطاقة في دبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بغرض الاستحواذ على سوق متخصصة ومتنامية، وتلبية احتياجات التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون واقتصاد صديق للبيئة من خلال تعزيز المعرفة كجزء من تحول استراتيجي أوسع نطاقاً من الوقود الأحفوري.

في ذات السياق أيضاً، وفي مطلع شهر سبتمبر الماضي، نقلت شركة «أي إتش إس ماركيت» لمعلومات وبيانات الطاقة، عن وكالة الأنباء السعودية خبراً مفاده أن المملكة العربية السعودية، هي الأخرى، ستنشئ «منصة الرياض لتداول تعويضات الكربون والأرصدة المتولدة»، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كجزء من جهود البلاد لمكافحة تغير المناخ. والمنصة عبارة عن مشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة وصندوق الثروة السيادية في البلاد ومجموعة تداول السعودية التي تمتلك البورصة السعودية، بما سيمكّن المؤسسات التي تهدف إلى الحد من انبعاثاتها أو المساهمة في ذلك، من تداول شهادات ائتمان مكافئ الكربون المعتمدة والعالية الجودة.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"