العلاقات الميتة

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين

كل محنة نمر بها تنحت جزءاً منا، المفروض أنها تقوينا، لكننا في لحظة الضعف أو الوجع لا نشعر بهذه القوة ولا نرى في المحنة أي بقعة بيضاء أو أمل يشع ولو من بعيد.
كثيرة الاختبارات التي نمر بها في الحياة، ومع كل اختبار نكتشف ذواتنا، نتخذ مواقف وقرارات لم نعلم أننا نستطيع اتخاذها، نفكر بطريقة مختلفة، وكأننا ننضج فجأة. يقولون إن هذه التجارب تحك معادن الناس المحيطين بنا، لكنها في الحقيقة تحك معدننا نحن أولاً ومن ثم نبدأ في اكتشاف معادن الآخرين.
لن تجد حولك نفس الأشخاص الذين يتسابقون على مشاركتك أفراحك وسعادتك ونجاحك، هنا الوضع مختلف، لا يمكنك وضع كل الناس في كفة واحدة، بل لست أنت من يقيس ويدقق في التمييز بين هذا وذاك لأنك منهمك ومشغول بهمومك، إنما الناس يفرزون بعضهم من تلقاء أنفسهم، كل يضع نفسه في الخانة التي يريدك أن تراه من خلالها، من لم يكن قريباً يقترب لإحساسه بحاجتك إلى المواساة، وهناك من يغمض عينيه كي يبدو لك أنه لم ير ولم يسمع وبالتالي لن يتكلم. هناك من يصر ويلح بالسؤال، ويفاجئك مثلاً من غاب عنك طويلاً بحرصه على الوقوف بجانبك، بينما يغيب عنك من حسبته أقرب إليك من خيالك.
هل تحزن؟ هل تغضب؟ هل تجري تعديلات وتعيد الحسابات مجدداً؟ إذا رأيت نفسك كشجرة تكبر أغصانها كلما مر عليها عام، ويشتد عودها كلما تبدلت الفصول وتحملت هبوب الرياح والعواصف وصمدت في البرد والمطر وفي عز الحر والجفاف.. ستدرك أن كل عاصفة تهزك بقوة، تسقط عنك الأوراق الذابلة و«الميتة»؛ تلك هي العلاقات الميتة التي يسقط أصحابها ويتلاشون دون أي جهد منك.
كل محنة تضعك أمــــام مرآتين، واحدة ترى نفسك من خلالها وتكتشف تراكمات الأيــــام والمبادئ وما تربيت عليه وكل المخزون النائم فــــي أعماقك ولا تظهر إلا في وقت الشدة، ومرآة ترى الآخرين من خلال مواقفهم وتكتشف المخزون النائم في أعماقهم، الذي لا يمكنك أن تعرفه أو تصدقه إلا في المحن، حيث لا مكان للتمثيل أو المجاملات أو المظاهر، وحدها المشاعر تســيطر وتتحكم فتحرك العقل وتفرض سلطتها على كل الحواس.. في المرآة تدرك أن كل أصيل يكبر كلما عصفت به وبك الرياح وتقلبت الأيام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"