تغيرات جيوسياسية عالمية

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

الجيوسياسة مرادف للعلاقات الدولية وما يلحق بها نتيجة تغيرات مكانية أو جغرافية تلحق التحول والتغير في هيكلية وبنية النظام الدولي.

وقد شهد النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة تحولات جيوسياسية كبيرة انعكست على بنية هذا النظام مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ومعه انتهى نظام القطبية الثنائية، وبروز القوة الأحادية، خصوصاً في جانبها العسكري، وكان لها تداعياتها على النظام الدولي الذي تأسس في ويستفاليا عام 1648والذي قام على مفهوم الدولة الأمة، مروراً بنظام فرساي وسيادة القوة ألأوروبية على النظام الدولي، وصولاً إلى مؤتمر يالطا بعد الحرب الثانية، أو قبل نهايتها، الذي أسس لنظام الثنائية القطبية الذي استمر حتى عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفييتي.

 واليوم، نشهد من خلال الأزمة الأوكرانية التنافس الروسي الأمريكي على تقاسم النظام الدولي، وبدايات لحرب باردة جديدة. فالحرب الأوكرانية هي على إعادة اقتسام القوة الدولية ووضع قوانين جديدة بدلاً من السابقة. وليصبح العالم اليوم أمام ثلاثة كتل قطبية، هي: الولايات المتحد والصين وروسيا. 

 المحلل السياسي في «الواشنطن بوست» روبرت كانمان، يتوقع تغيرات جيوسياسية واسعة حول العالم تشمل أوروبا، وحلف الناتو، والنظام الدولي القائم. ويرى أن انتصار روسيا سيفتح الطريق أمام الصين لتستعيد تايوان، وتغير ملامح خارطة شرق آسيا التي تعتبر اليوم من أهم مناطق الصراع العالمي. وانتصار روسيا يعني امتداد القوات الروسية وانتشارها على مناطق حدودية ممتدة من أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا الشرقية. وقد أكد المعلق ديفيد إغناطيوس، بأن هجوم روسيا أنهى فترة ما بعد الحرب الباردة، وسيشكل النظام العالمي الجديد. ويضيف «إن بنياناً جديداً للعلاقات الدولية سينشأ معتمداً على نجاح أو فشل بوتين».. وكما تقول الكاتبة ألأمريكية كلارا فيريرا ماركيز، في تقرير لها نشر في وكالة بلومبيرج «إن التهديد هذه المرة قادم من الشرق، من قلب المنطقة وليس من خارجها».

 إن ما يجري هذه المرة هو تغيير جيوسياسي للمنطقة ليس على مستوى العلاقة مع أوكرانيا فقط، بل على مستوى القارة الأوروبية كلها.

 ففي عام 2005 وبعد مرور خمس سنوات على انتخابه رئيساً لروسيا، قال بوتين في خطابه للأمة إن تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 كان دراما حقيقية، أبقت عشرات ملايين الروس خارج حدود روسيا. وقال إن مكاننا في العالم الحديث سيتحدد طبقاً لنجاحنا وقوتنا. وهذا يعنى أن روسيا، وبعد أن حققت قوتها الداخلية، لن تسمح للناتو والولايات المتحدة بالاقتراب من حدودها الشرقية، وتتحول أوكرانيا إلى قاعدة عسكرية للولايات المتحدة، وهنا الجيوسياسة هي التي تقرر السياسة الروسية. وبصرف النظر عن الاتفاقات الموقعة مع أوكرانيا، ومع الغير، ففي كل الأحوال روسيا لن تسمح بانضمام أوكرانيا «للناتو»، وهذا الدافع الأمني هو الذي كان وراء القرار الروسي. وبتعبير آخر، الجيوسياسة هي التي حسمت وقررت الحرب، وكما يقال الجيوسياسة تصنع التاريخ، والاقتصاد يصنع السياسة. وهذا ما تفعله روسيا اليوم في حربها التي هي بمثابة إعلان رسمي لولادة نظام عالمي جديد تحكمه ثلاثية القوة ألأمريكية والصينية والروسية، ولعل هذه الرغبة جسّدها البيان الختامي لزيارة الرئيس بوتين للصين في الرابع من فبراير/ شباط الماضي، والذي أعلنت فيه الدولتان ضرورة إصلاح النظام العالم القائم. لكنها رسالة لم تستوعبها الولايات المتحدة وأوروبا. ولم تتفهم ماذا تعني الجيوسياسة بالنسبة إلى روسيا الطامحة لاستعادة قوتها السوفييتية السابقة. ويبقى أن العالم قد دخل مرحلة التحول الانتقالية، وبقدر ما تطول الحرب بقدر ما يحصل التغير في بنية النظام الدولي، وصولاً إلى النظام الجديد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"