لغتنا المفقودة

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

في أحد المطاعم بأحد المراكز التجارية جلست بقربنا عائلة مواطنة حفظها الله بحفظه، فيها الأب والأم وما لا يقل عن 6 أطفال تراوح أعمارهم بين الرابعة والعاشرة من العمر، كان الأطفال لا يتحدثون في ما بينهم إلا باللغة الإنجليزية، وحتى حين يخاطبهم الأب أو الأم لا يردون إلا بها، الحوار الذي كان يدور بينهم حوار أطفال حول الأكل واللعب وما يمكن أن يشتروه، لكن الحوار كان باللغة الإنجليزية وليس بالعربية أو اللهجة العربية الشعبية الإماراتية، وفي كل الحالات لم يحاول الأب أو الأم حثهم على الحديث بالعربية.
 هذا بالطبع ليس حكراً على هذه العائلة بالذات، فهذه الظاهرة أصبحت في كل بيت، فمن غير الطبيعي في هذا الزمن ألا يدور الحديث باللغة الإنجليزية خصوصاً بين الأطفال، أو الأجيال التي تخرجت بعد تحوّل التعليم والتدريس سواء في المدارس أو الجامعات إلى اللغة الإنجليزية، ولا أحد ينكر أهمية اللغة الإنجليزية، لكن أن يتحول أطفالنا إلى اللغة الإنجليزية لتبادل الحديث العادي في ما بينهم، فهذه ليست فقط طامة كبرى؛ بل خطر داهم على الهوية والانتماء. ومن الملاحظ أيضاً أن كثيراً من خريجي الجامعات لا يستطيعون؛ بل لا يمتلكون القدرة على كتابة تقرير ما بغير اللغة الإنجليزية، ويفتقرون للملكة الإبداعية لكتابة ولو عدة سطور باللغة العربية أو التعبير عن ذواتهم بشكل سليم لو تحدثوا بها.
المسؤولية كبيرة خصوصاً في ظل العولمة، وفي ظل أننا شعب قليل العدد، وفي ظل أن العالم أصبح قرية صغيرة منفتحة على بعضها بعضاً، وفي ظل التطور السريع جداً الذي نمر به، ما الذي سيبقى من أهم مقوّم من مقومات الهوية والمواطنة في دولة عربية الروح والانتماء والأصل.
إن التغريب الذي يطال أطفالنا والأجيال القادمة سيغيّر كثيراً من ملامح المشهد اللغوي على كافة الصعد، سواء القدرة اللغوية أو لغة التخاطب اليومية، أو حتى لغة الإبداع الأدبي في كافة مشاربه.
وبما هو حاصل في النظام التعليمي في كافة مراحله، ستزداد هذه الظاهرة عمقاً وخطراً، وسنفقد الكثير. فمن يعتقد أن الحديث أو التعبير باللغة الإنجليزية مظهر من مظاهر الحضارة فهو يجهل معنى الحضارة والانتماء، ولا يعرف قيمة اللغة في الضمير والوجدان.
الخوف كل الخوف في ظل كل هذه التغييرات التي طالت حتى تسمية الأماكن والمراكز بمسميات إنجليزية، أن تتحول إذاعاتنا وتلفزيوناتنا وقنواتنا الفضائية إلى البث بالإنجليزية لتواكب التحديث والحضارة والتطور.
اللغة العربية جزء لا يتجزأ من منظومة انتمائنا وكياننا ووجودنا، ومن المعيب جداً أن نتعامل معها بهذه الطريقة التي أفقدت أبناءنا لغة التواصل التي ينتمون إليها، فمتى نستيقظ؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"