«بريكست» والأسواق الإفريقيــــة الناشئــــة

21:30 مساء
قراءة 4 دقائق
1

جيفري فان أوردين *

شهد العامان الأخيران منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أزمات متتابعة بدأت بانتشار فيروس كورونا ولا تزال تداعياتها مستمرة اليوم جرّاء التوتر الجيوسياسي والعسكري الحاصل في القارة العجوز. وبالنسبة لكلا الطرفين، فإن التأثير طويل المدى لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يتم استيعابه بالكامل بعد. أضف إلى ذلك الانخفاض الملموس الذي شهدته الشركات في جميع أنحاء أوروبا من حيث أحجام تجارة السلع والخدمات، والذي يرجع أساساً إلى الجائحة. والآن، سيكون للعملية العسكرية الدائرة رحاها في أوكرانيا دور إضافي في زعزعة الاستقرار في الوقت الذي بدأت فيه آثار الوباء بالانحسار. ومع انسحاب القوتين التجاريتين من روسيا، من الضروري أن تحافظا على استقرارهما الاقتصادي، وهذا يعني السعي وراء شراكات اقتصادية جديدة.

وبسبب طبيعة خروجها الحساسة من الاتحاد الأوروبي، ركّز الساسة البريطانيون نقاشاتهم مطوّلاً على تأمين صفقات تجارية جديدة، خاصة مع الأسواق الناشئة حيث تتمتع بريطانيا بالكثير من المزايا غير المستغلة، وكان ذلك أحد الدوافع الأساسية للمملكة المتحدة للمضي في مشروع «بريكست». أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي فقد 1/6 من ثقله الاقتصادي بعد خروج بريطانيا، تشتد الحاجة لتعويض مكاسبه المفقودة أيضاً، كما يظهر من السعي وراء صفقة التجارة الصينية المتعثرة حتى اليوم.

وعليه، قد تكون المنطقة الأكثر إشراقاً في هذا الصدد لكلا القوتين المنفصلتين هي إفريقيا. فالقارة تمتلك مخزوناً بشرياً واقتصادياً مهماً، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، كما أن سلاسل القيمة الجديدة فيها تتطور بناءً على فرص الطاقة ومنصات الاتصالات والأعمال التجارية والزراعية. في المقابل، لم يعد هناك اعتماد كبير على الصناعات الاستخراجية في العديد من الاقتصادات الإفريقية، على الرغم من أهميتها في رسم مستقبل الاهتمامات الجديدة، لا سيما المنافسة على استخراج مصادر الأرض النادرة والحاسمة في إنتاج الطاقة النظيفة، والسيارات الكهربائية، والإلكترونيات الاستهلاكية، ومعدات الدفاع الرئيسية.

تسعى العديد من الدول وبقوة لتعزيز علاقاتها مع القارة السمراء، وعلى رأسها الصين. وبينما تعقد المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي المؤتمرات تباعاً ويتعهدان بمزيد من الاستثمار، من الواضح أن هناك مزيداً من الأعمال التي يجب القيام بها لا سيما من الجانب البريطاني، لتلبية الطلب المتزايد في إفريقيا على الاستثمار، ودعم الاقتصادات الإفريقية التي أظهرت أنها تمتلك المرونة والحوكمة الرشيدة والمطلوبة للخروج من الوباء منتصرة.

تُعد غانا وكينيا، وهما دولتان من دول الكومنولث وأول من قادتا الانتعاش الاقتصادي في إفريقيا بعد جائحة «كوفيد-19»، مثالين بارزين للدول التي تتمتع بعلاقات تجارية قوية ومعايير غربية يمكن للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي البناء عليها. وعلى الرغم من الضربة الاقتصادية التي تلقتها من الوباء، كانت غانا، التي تمتلك ثامن أكبر ناتج محلي إجمالي إفريقي، واحدة من الأسواق القليلة في العالم التي حققت نمواً في الناتج عام 2020. ومنذ ذلك الحين، تسارع النمو الاقتصادي في غانا متجاوزاً بكثير الانتعاش السلس والتدريجي الذي توقعه الاقتصاديون.

وحين كانت جزءاً من القارة الأوروبية، لعبت بريطانيا دوراً مهماً في تطوير اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وغانا، اتفاقية ترمز إلى فوائد التحالف الاستراتيجي مع سوق إفريقي مرن. وخلال السنوات العشر الماضية، حققت الاتفاقية تلك زيادة بنسبة 154% في صادرات غانا إلى الاتحاد الأوروبي، ونمت الأرباح إلى 1.7 مليار يورو. وقبل عام، وقّعت المملكة المتحدة اتفاقية شراكة اقتصادية أكثر طموحاً مع غانا تضمن تجارة خالية من الرسوم الجمركية وتوفر منصة لتعاون اقتصادي وثقافي أكبر.

أما كينيا، فهي أيضاً من الشراكات الإفريقية المهمة للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، كيف لا وهي سادس أكبر اقتصاد إفريقي، وذات استثمارات قوية في الشركات الناشئة والتجارة الدولية. ومنذ عام 2014، كانت كينيا جزءاً من اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وشرق إفريقيا، الأمر الذي سمح بدخول أوروبا على نطاق أوسع إلى السوق الإفريقية من خلال تعزيز الكتلة الاقتصادية لشرق القارة ذات التوجه الدولي والمتنوعة إقليمياً. وقبل عام، دخلت اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين كينيا والمملكة المتحدة حيز التنفيذ، وبذات بنود اتفاقية الاتحاد الأوروبي السابقة، لضمان الوصول الدائم والمعفي من الرسوم الجمركية والحصص للسلع الكينية إلى أسواق المملكة المتحدة، وتحسين الوصول التدريجي لصادرات المملكة المتحدة بمرور الوقت، مع حماية السلع الحساسة.

لدى كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مصلحة في تطوير أسواق جديدة، لذلك من الضروري أن تدعم كلتا القوتين بعضهما، وهذا يعني أن على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السعي لإزالة الحواجز التجارية والتقنية غير الضرورية داخل الكتلة، وغيرها من المضايقات في العلاقة مع المملكة المتحدة في وقت يتزايد فيه انعدام الأمن للجميع. كما أنه من الضروري أن يعمل الجانبان معاً بشكل أفضل، وأن يعثرا أيضاً على شركاء اقتصاديين جدد وموثوق بهم، لضمان تمتعهما بالقوة اللازمة للازدهار في هذه الأوقات الصعبة.

* عضو سابق في البرلمان الأوروبي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"