مكاسب الصين من الأزمة الأوكرانية

22:16 مساء
قراءة 4 دقائق
902

نانسي تشيان *

أعلنت الصين عن هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام والمتمثل بنحو 5.5% تقرياً، وهو الأدنى منذ عام 1991. ومع ذلك لا ينبغي لهذه النسبة أن تكون مفاجأة. ففي عام 2013، توقع الاقتصاديون في البنك الدولي ومجلس الدولة الصيني أن ينخفض معدل النمو السنوي للصين إلى 5% بحلول عام 2030. وهو أيضاً رقم مبالغ في تقديره بالنظر إلى تضخم معدلات النمو خلال الفترة ما بين 2010 و2016 بمقدار 1.8 نقطة مئوية، وبأن متوسط النمو في اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ حوالي 3%.

تنبأ صناع السياسة آنذاك بدقة إلى حجم التحديات الرئيسية التي تواجه النمو طويل المدى في الصين، بما في ذلك زيادة حالات عدم المساواة، ومكافحة الفساد، ومعدلات الشيخوخة المرتفعة، وعدم كفاءة بعض الشركات الكبيرة، بالإضافة إلى التلوث. لكن لم يكن بإمكان أحد توقع حالة عدم اليقين الاقتصادي الإضافية الكبيرة والناجمة عن جائحة فيروس كورونا قبل عامين، واليوم العملية العسكرية الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

لقد تسبب الوباء في تعطيل سلاسل التوريد بشدة ورفع الأسعار في كل مكان. لكن الصين قلقة بشكل خاص من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بوصفها مستورداً صافياً للغذاء، بفاتورة إجمالية 133 مليار دولار في عام 2019. كما تسببت مشاكل الإمداد وسوء الأحوال الجوية في زيادة أسعار الخضراوات في المدن الصينية بنسبة 30.6% على أساس سنوي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. وارتفع سعر البيض، وهو مصدر غذاء رئيسي بالنسبة للطبقة الوسطى، بنسبة 20.1% خلال نفس الفترة.

وفي خضم كل ذلك، ظلت تكاليف الطاقة الشاغل الرئيسي الآخر للصين، لأنها أيضاً مستورد صافٍ للفحم والغاز الطبيعي والنفط الخام. وقد ساهم الطلب المتزايد من المصانع الصينية، التي استأنفت الإنتاج خلال فترة الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء، في زيادة أسعار سلع الطاقة. فما كان من المنظمين الصينيين إلا أن رفعوا الحد الأقصى لأسعار الكهرباء المدعومة. ورغم ذلك، لم يكن هذا كافياً لتعويض الخسائر التي لحقت بمولدات الكهرباء، وسط استمرار ارتفاع أسعار الفحم والطلب المحليين. وبالنتيجة، أُغلقت محطات توليد الكهرباء في العديد من المقاطعات الشمالية الشرقية في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، ما أدى إلى انقطاع مفاجئ في التيار الكهربائي وسلسلة من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية. ومنذ ذلك الحين، رفعت الحكومة الصينية سقف أسعار الكهرباء بشكل أكبر وعززت الإنتاج المحلي للفحم باستخدام احتياطياتها الضخمة. لكن احتياطيات البلاد من مصادر الطاقة الأخرى محدودة، ومن المرجح أن يستمر الطلب على الطاقة في الارتفاع.

تساعد هذه المخاوف الاقتصادية، جنباً إلى جنب مع الرغبة في تشكيل جبهة مشتركة ضد الولايات المتحدة، في تفسير التزام بكين بعلاقة «مفتوحة غير محدودة» مع موسكو والتي أعلنها الرئيسان شي جين بينج وفلاديمير بوتين مطلع فبراير/ شباط الماضي. وتمثل الطاقة المحور الاقتصادي الرئيسي لهذه العلاقة، ففي عام 2019، شكل الوقود حوالي 17%، أو ما يعادل 344 مليار دولار، من إجمالي واردات الصين البالغة 2.1 تريليون دولار. كما تُعد روسيا أكبر مصدّر للنفط الخام إلى الصين منذ عام 2016، والمورد الأسرع نمواً للغاز الطبيعي، حيث إن ما نسبته 12% من جميع واردات النفط والغاز الصينية تأتي الآن من روسيا.

ولتلبية الطلب المحلي على الطاقة وتخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تخطط الصين لزيادة حصة الغاز الطبيعي في استهلاكها للطاقة الأولية إلى 15% بحلول عام 2030. وبما أن روسيا تمتلك ما يقرب من ربع احتياطيات الغاز العالمي وهي أكبر مصدّر كذلك، اتفق البلدان الشهر الماضي على عقد طويل الأجل ستزيد بموجبه روسيا صادرات الغاز إلى الصين إلى 48 مليار متر مكعب، أو ما نحو 10% من استهلاك الصين المتوقع للغاز.

لكن الحاصل اليوم على الأراضي الأوكرانية، والأزمة الجيوسياسية والعسكرية مع الجارة روسيا، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية والمالية الغربية المفروضة على الأخيرة، شكّل حالة فجائية من عدم اليقين بشأن كل ما سبق وخُطط له بين بكين وموسكو.

لكن الموقف السياسي المحايد للحكومة الصينية تجاه الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد يثمر أيضاً مكاسب اقتصادية مهمة دون الإساءة المفرطة للشركاء التجاريين الغربيين الرئيسيين كالولايات المتحدة وأستراليا.

وبالمثل، من المرجح أن تحصل الصين على شروط أكثر ملاءمة لوارداتها من الطاقة مع استمرار الحرب وخفض الدول الأخرى مشترياتها من النفط والغاز الروسي، وحظره نهائياً في الولايات المتحدة، ومن المرجح أن تحذو دول أخرى حذوها وتبحث عن موردين ومصادر طاقة بديلة للتعويض.

وفي حين أن البحث عن مورّدين سيستغرق وقتاً، فعلى روسيا بالمقابل البحث عن مشترين آخرين في القريب العاجل. وبالنظر إلى أن النفط والغاز مثّلا 60% من صادرات روسيا، وولّدا معاً 39% من إيرادات الميزانية الفيدرالية في عام 2019، ستكون الصين في وضع تفاوضي قوي.

في النهاية، سيعتمد تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الصيني على مدة الصراع وحجم الدمار الاقتصادي الناتج في كلا البلدين وأجزاء أخرى من العالم.

* أستاذة الاقتصاد الإداري وعلوم القرار في كلية كيلوج بجامعة نورث وسترن، ومديرة مختبر الصين للاقتصاد (بروجيكت سنديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"